m3rouf alkhoder
أهلاً بكم في المنتدى الخاص بمعروف الخضر يمكنكم تصفح الموقع ولوضع المشاركات يرجى التسجيل

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

m3rouf alkhoder
أهلاً بكم في المنتدى الخاص بمعروف الخضر يمكنكم تصفح الموقع ولوضع المشاركات يرجى التسجيل
m3rouf alkhoder
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
m3rouf alkhoder

منتدى شعري ثقافي

designer : yaser marouf email:y.a.s.e.r.94@hotmail.com

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

النجم والرماد ...ديوان شعر لسعدي يوسف .................. مهدي شاكر العبيدي

اذهب الى الأسفل  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

Admin


Admin

مهدي شاكر العبيدي : النجم والرماد ؛ ديوان شعر لسعدي يوسف

Posted: 12 Jun 2013 08:54 AM PDT

هذا شاعر تسنى له خلال فترة قصيرة من الزمن وعبر عدد محدَّد من السنوات أنْ يُشار له بالبنان ، ويُجمِع على تقدير شاعريَّته الخصبة وتثمين عطائه المُجوِّد بما يستحقه من حفالة به وتهليل ، غالبية نقادنا المنصفينَ أو دارسينا الأدبيينَ ، بحيث بزَّ مَن سبقه في مراس الشعر ومعاناة تجربته ، وتقدَّمه في ريادته لـ ( وادي عبقر ) ، في أنْ يغدو موضع اهتمام ويحمل غيره كذلك على الاستشهاد والاستدلال بنماذجه الشعرية البارعة في معرض التدليل على أنَّ الشعرَّ الحرَّ ــ الذي يكلف قائله اعتماد وحدة القصيدة العضوية واستهدافها بدلا ً من وحدة البيت ــ ممَّا تطلبه أنْ يَعَاف طريقته التقليدية في ترتيب تفعيلاته دون أنْ يخلَّ بشرط توفر الإيقاعية المشنفة والنغمية المُرنة ! ، على خلاف ما أساء فهمه بعض الشعراء المتعجِّلينَ ممَّن لم يكدُّوا ذواتهم في المرانة والدربة ، فانتفوا هذا الشرط ولم يوفوا به ويحرصوا عليه في محاولاتهم ، قد أمكن له أنْ ينتهض بكلِّ التجارب الإنسانية التي تمسُّ العاطفة وتحرِّك الحسَّ وتشحذ الوجدان ، ويعبِّر عنها غاية ما يكون التعبير اغتناءً بالصدق والشمولية والتنغيم والعفوية ، على غرار ما تأتـَّى لعمود الشعر قبلا ً أنْ يُمسِك به ويفرغ منه ويعقب الكثير من النماذج العالية الرفيعة التي هي بحق حلية تراثنا الأدبي وزينته ، بقدر ما حالفه من النجاح في النفاذ إلى أفهام القرَّاء واستثارته لإعجابهم وحمل أذواقهم الفنية على أنْ تألفه وتتقبَّله على الرغم من مناقضته لما ألفوا طويلا ً وتواضعوا على تقديسه من الموروثات والرواسب الفكرية أولا ً ، وفي مجال توكيده ضرورة وقوف الشاعر إلى جانب شعبه في معاركه الفاصلة مع أعدائه من قوى الاستعمار والعبودية ، فيعنو لما يتتابع عليه من صنوف البليَّات والمصائب ، وينهد لتصويرها في شعره مجسِّدا ً تطلعاته ورغائبه ، مهيبا ً به أنْ يُصَابر الأيَّام والليالي فلا يهن عزما ً ويلينُ جانبا ً حتى يوفي على البغية ويبلغ القصد ثانيا ً ، من هنا سبب هذا التقدير الجم وهذا التثمين الفائق لشاعريَّة سعدي يوسف وعطائه ، أو هو جملة أسباب وبواعث يمكن إيجازها ــ وبعبارة قصيرة ــ تجارب وجدانية صادقة ، ومضامين إنسانية رفيعة راقية ، ومكنة من أداء آسر وتقنية سليمة ، كلُّ هذه تحمل على إكبار ذي الشاعرية واحترام صاحبها ، وتمسك بأيٍّ حتى لو كان خصيما ظالما ً لا يجوز الاحتكام إليه وارتضاؤه شاهدا ً عدلا ً أنْ يغمطه حقه ! ، فإنْ كنـَّا نعتد ديوانه السابق ــ ( 51 قصيدة ) ــ الذي أصدره في السنة الأولى لقيام ثورة 14 / تموز / 1958م ، وضمَّنه قصائده المنظومة إبَّان سنيِّ النفي والاغتراب والتشرُّد ، حين اضطرَّ قبلها للنزوح من أرض الوطن الذي لا يلفظ أهليه ويسلمهم أبدا ً تخلصا ً من العسف والاضطهاد ، ونجاءً من الحيف والمضايقة ، صورة صادقة ومرآة حقيقية لحقيقة حال شعبنا العراقي ، فبوسعنا ومستطاعنا هكذا وبجرَّة قلم واحدة أنْ نعتدَّ ديوانه هذا صورة جديدة ومرآة ثانية لحقيقة حـال هذا الجمهور أمس واليوم وغدا ً ، خلل هذه الفترة الزمنية التي جاسها ألق الجبين مكللا ً بالغار ، ولعلَّ ذلك ما يغري بإطلاق هذه التسمية المحبَّبة ــ ( النجم والرماد ) ــ على قصائده فـ ( النجم ) يصحُّ اعتماده رمزا ً لقوى الشعب الخيِّرة وطلائعه الواعية ، كما يجـوز تعميم لفظـة ( الرماد ) بلونه الباهت الذي لا يشع عن بريق أو توهُّج ويتلامح منه وميض نار ، على كلِّ فصائل الانتكاس والرِّدة ، لكنـَّنا إذ نسجِّل لشاعريَّته انتهاضه بمهمَّة التعبير عن قضايا شعبه المستجدَّة وتجسيد تطلعاته الآنية ، وتجاوبه حيال ظروفه الراهنة ، فلا يدع أمرا ً يفجأ وخطبا ً يلمُّ دون أنْ تستثار شاعريَّته وتضطرم عواطفه ويلجُّ في قول الشعر الشعر ذي التعبير الرشيق والتشبيه البارع والأخيلة المجنحة الطليقة ، نشفق عليه في الوقت ذاته معا ً أنْ لا يُقدَّّر لشعره اكتساب حظه من الخلود والبقاء بحيث يصحُّ التنويه بشواهده والرجوع إليها دواما ً وفي كلِّ ظرف ، بدليل أنْ يصحَّ اعتباره شعر مناسبة بمجرَّد انطوائها وتقادم الزمن عليها ، وبعبارة أصرح وأوضح إنَّ شاعر ( النجم والرماد ) وشأن غير من شعراء الوطنية في كلِّ الأمصار والمواطن العربية ممَّن استهدفوا تبني قضايا مجتمعهم وانطلقوا منها في تجاربهم الشعورية والوجدانية ، لم يتأتَّ لهم بعد أنْ يضفوا على نتاجهم الشعري المرصود لذي القضية من السمات والخصائص التي تعينه على البقاء والخلود ، وتغري بإمكان الاستدلال به بعد انقضاء مناسبته وانطواء ظرفه ، إنـَّما يظلُّ مرجعا ً للدارسينَ يرصدونَ منه واقع العصر الذي يؤرِّخونَ أحداثه الخطيرة ويستهدونَ به كذلك في تدوين وقائعه ، لعلَّ الشعراء القدامى تسنى لهم أنْ يوفوا بهذه الغاية ويحققوا هذا الشرط العسير الكفيل بخلود الشعر والمرهون بمدى توفر الشاعر على تفهُّم الطبيعة البشرية ورصد دوافعها المتباينة ومراقبة حالاتها المتنوِّعة ، بما يتوجَّب لذلك من التأمُّل الطويل والتعمُّق الممعن ، وحسبنا أنْ نشير إلى روائع المتنبي بهـذا الخصوص ، فممَّا لا شكَّ فيه أنَّ الملاحم والوقائع التي ألهمَتْ شاعريَّته شتى التجارب الفنية واستوحى منها مضامينه العميقة ، كحروب سيف الدولة مع الروم وغيرها ، فقد تقضَّتْ وغدَتْ في عداد التاريخ السالف الذي لا ينتظر نشورا ً ولا انبعاثا ً ، غير أنَّ المتنبي الحكيم على ما قدِّر له أنْ يشهده من حياة عاصفة ويعرض له من وضعية لا تعرف الاستقرار إنْ لم تحفل بالاضطراب والبلبلة ، أو أنـَّه لا يكاد يحط رحاله من سفر حتى يشرع في التهيُّؤ لثان ٍ طويل غيره ، استطاع أنْ ينفذ إلى أعماق الطبائع الإنسانية ويستقري أطوارها المتنوِّعة المتغايرة في شتى الأعصار والحقب ، ويجسِّد لنا حصيلة تجاربه المحضة في الحياة ، ويسلف شعرا ً تصحُّ مواءمته ــ إذا جاز التعبير ــ لكلِّ الظروف التي تقادَمَتْ من قبل ومن بعد ومطابقته إيَّاها ، ولإثبات صحَّة ما تدلُّ به من وجوه القول وضروب التفكير يلزمنا أنْ نسوق جملة أبيات من شعر المتنبي الحكيم لنوحي بها أنَّ شاعرنا العربي العظيم لم يشأ قبلا ً أنْ يجعل من شعره شعر مناسبة فقط يفقد مستلزمات خلوده بمجرَّد انصرام بعض الوقت على المناسبة نفسها ، بل أضفى عليه من فيض عاطفته وجيشان شعوره وحصيلة تجاربه وخبرته بالنفوس والطبائع ما كفل له ميزة الخلود وسمة البقاء :

إنـَّا لـَـفـِـي زَمـَـن ٍ تــَرْكُ الـقـَبـِيْـح بـهِ مِـن أحْـسَن ِ الناس إحْسَانٌ وإجْمَالُ
…………….
أعزُّ مَكـان ٍ فـِي الـدُنى سَـرْجُ سَـابـِح ٍ وَخيْرُ جَـلِيـس ٍ فـِي الزَمَـان ِ كِتابُ
…………….
وَلـَـمْ تـَزَلْ قِـلـَّة الإنـْـصَــافِ قـَاطِـعَـة ً بَـيْـنَ الأنـَام ِ وَلـَو كـَانـُوا ذوي رَحِم ِ
هـَوِّن عـَلـَى بَـصَـر ٍ مـَا شَـقَّ مَنـْظرُه فـَإنـَّمَـا يَـقـَـظـَاتُ العَـيْـن ِ كـَالـحُـلـُـم ِ
وَلا تـَشَـكَّ إلـــــى خـَـلـْـق ٍ فـَتـُشْـمِـتـَه شَكوَى الجَريح إلى الغِربَان والرَّخم ِ
وَكـُنْ عـَـلـَى حـَـذر ٍ لِـلـنـَاس ِ تـَسْتـُرُهُ وَلا يَـغـُرُّكَ مِـنـْهُـم ثـغـْرُ مُـبْـتـَسِـــم ِ
غـَاضَ الـوَفـَاءُ فـَـمـَـا تـَلـقـَاهُ فِي عِـدَةٍ وأعوز الصدق في الإخبار والقـَسَـم ِ
…………….


لوركا

وأرجو أنْ لا يُخيَّل إلى القارئ اللبيب ويدخل في روعه ويرسخ في واعيته أنـَّني أشترط لخلود الشعر اكتنازه للحكميَّات واغتناؤه بالمواعظ ، إنـَّما أطالبه أنْ يتمعَّن في أبيات شاعرنا القديم وينفعل بإنسانية مضامينه ليستنبط هو وحده أنَّ دلالتها ما برحَتْ خالدة ، وإنَّ وحي إلهام شاعرنا العظيم ما يزال قائما ً لو كلف الشاعرونَ أنفسهم عناء تدارُس المصير الإنساني وتفهُّم واقع الإنسان الذي ما برح هو هو لم يتبدَّل ولم يتغيَّر في طبيعته المحضة وجوهره الخالص على الرغم ممَّا قطعه ــ أعني الإنسان ــ من مراحلَ حضارية وجازه من أشواط في تقدُّمه الإنساني وأوفى عليه من العجائب والغرائب في المخترعات والمكتشفات ، فلا هذه ولا تلك أمكن لها أنْ تروِّض جماحه وتكبح من نزوِّه للقبيح ، الذي بات قبلا ً وبعد وبعد البعد مَن يطرحه ويستأصل عروقه الخبيثة من نفسه ، يعدُّ في عداد ذوي الإحسان والإجمال على حد تعبير المتنبي ، فلستُ ملوما ً إذ أجهر أنَّ قصائد سعدي يوسف ــ هذه التي ينتظمها ديوانه ــ ( النجم والرماد ) ــ على الرغم من كونها نتاج عاطفة وطنية وثمرة إخلاص للشعب وعلى أنـَّها كذلك تشمخ بتكنيكها المجوِّد وحبكتها الآسرة منبئين ِ عن صدق في معاناة التجربة الشعورية وتمثلها ، ومفضيتين ِ كذلك بما يعروه من حزن ويتملكه من لوعة ، إذ يتعاطف حِيَال شعبه ويتجاوب وإيَّاه كما توحي بذلك وتدلُّ عليه رموزه العديدة والأثر الذي تتركه في نفس قارئها كلُّ قصيدة من قصائده ، قد لا تظلُّ معطياتها المبدعة توائم طبيعة الظرف الذي سنعيشه بعد عامين ِ أو أكثر ، غير أنـَّها تظلُّ مرجعا ً مهما ً يُرصَدُ منه واقعنا الراهن أو يستهدي بها جيل قادم في مرحلة كفاحه إذا اعتبرنا أنْ لا نهاية للكفاح الإنساني ولا بدوات ، أنا أجلُّ معطيات سعدي يوسف في قصائده : ( رزوقي ، حادث من البصرة ، الاعتداء ، احتراق ، حكايات من البصرة ، حادث يومي ) ، وأهلل لفتوحاته في مجال التكنيك الآسر بحيث يُقال أنَّ هذا شاعر نسيج وحده دون أنْ يتأثر خطى آخرين ويجري على منوالهم وينغمر في تقليدهم ، بقدر ما أبارك جرأته وعمق تصاديه ، لكنـَّني لا أستطيع استنباط معطياتٍ ثرَّة تمسك بنا عن النظر لها بكونها من شعر المناسبة ، غير أنـَّها تبقى بعد ذلك من قبيل الشعر الظرفي ! ، الذي تبنى دعاوة التبشير به والتهليل له الشاعر الفرنسي المعروف ( بول إيلوار ) ، ذلك أنـَّه فتح طريقا ً واسعا ً ــ بل أوسع ما يكون ــ لتمجيد الإنسان ، أليس أنـَّه صادق في انفعاليَّته ومزوَّدٌ في أدائه ، وبارع في تضمين شعره الصور الرهيفة الشفيفة والرؤى الجميلة :
وطنِي لو يَعرفُ الشَاعِر للصَمْتِ سَبيلا
لطوَى أورَاقه فِي مَاءِ عَينيهِ ، لأخفى مقلتيك
عن لياليه الجريحات ، فأغفى ثمَّ مَات
غيرَ أنَّ الرشفة الثكلى وراءَ الكلمَات
والدمَ المَحضَ وصَمْتَ الأمهَات
وأغانِي (( يوسف الصائغ )) في القضبَان تدعوكَ إليك
( مِن قصيدة احتراق )
…………….

أخليفة الملقى على الإسفلتِ في سجن ٍ هناك
متدفق الدم ، أسود الشفتين ِ ، مزرقَّ المفاصل
لكنَّ وجه الأرض ِ أعمَى
أخليفة الملقى على الإسفلتِ يا شَرَفَ المناضِل
صوتِي هناك ، مضرَّجٌ أبدا ً ، يَضُجٌّ على السلاسِل
عنقي هناك ، ممزَّقٌ في السجن ، تحرقهُ المفاصِل
فولاذها الكابي يَشُقٌّ اللحمَ أعمَى
لكنـَّني أبدَا ً أقاتِل
والفجر يفتحُ مقلتيَّ على المنازل
والبحر والأرضُ الغريقة بالسنابل
أخليفة العربي في وهران تنفجرُ المشاعل
فليَندفع دمُك النبيُّ نذيرَ مقتول ٍ لقاتل
ولتنفجر في الأرض أجمعِها المشاعِل
( من قصيدة عبد الرحمن خليفة الجزائري )
…………….

وَطنِي إذا ما الليلُ أظلمَ وادلهمَّ الأفقُ يوما ً
فالشعْبُ يَعرفُ كيفَ يُزهِرُ فِي الليالِي السُودِ نجْمَا
شَعبي لكَ الآفاق واسعة لكَ الإصرَارُ شَهْمَا
راياتنا خفقتْ فأيَّة خفقةٍ أسْنى وأسْمَى
وطنِي خضبْنا الأرض باسمِكَ حينَ نادتنا السَمَاء
فعلى جباهِ الثائرينَ نجومك أيُّها ــ الأرض ــ السَمَاء
…………….

هذا شعر لا أروع في تمجيد الإنسان ولا أترع منه إنسانية وأحفل بحبِّ الحياة والتعلق الذي لولاه ( لطوى أوراقه وأغفى ثمَّ مات ) ؛ وإذ يمتدح في الثانية جراءة البطل الجزائري ويصابره على الهول واحتمال ما يقاسيه من النكد والضرِّ والإيلام حتى تحمَّ ساعة الخلاص ويستوي أجل الطغاة ؛ وإذ يتغنى في الثالثة بتضحيات الشعب وبطولاته ويرصد مسارات كفاحه الطويل الذي ما انتهى عند حد وارتدَّ قليلا ً مخفقا ً دون غاية ، إنـَّما خال ( اللواء الطلق يقدمه اللواء ) ، كلُّ هذا نفيس ينبي أنـَّه شاعر متميِّز بنفسه الشعري متفرِّد برموزه الدالة على خصب شاعريَّته والموفية به على الطريق الواسع لتمجيد الإنسان .

لكنـَّه إذ يعتمد ( البحر ) من أخصِّ رموزه على غرار ما يعتمده شاعر أسبانيا الشهير ( فيدريكو غارسيا لوركا ) ، لحد أنْ يُعنى بترجمة مرثيته لـ ( أغناسيو سانشو ميخاس ) ــ مصارع الثيران المشهور ــ إلى لغتنا العربية ، المرثية التي تحكي ارتجاج عواطف الشاعر العظيم ذاك واصطخاب مشاعره إزاء مصرع صديقه ، بقدر ما تنمُّ عن توفقه في تعميق مضامينه وتطويع شاعريَّته للتغني بالقيم النبيلة المتفائلة ، لم يتسنَّ له بعد أنْ يطلع علينا بمحاولات شعرية جليلة الخطر دالة على أنـَّه قد أفاد حقا ً من مطالعاته الدؤوبة لنتاج ( لوركا ) الشعري كما هو معروف عنه ، بحيث أنـَّه ــ أعني هذا النتاج ــ قد ترك بعض مياسمه وتلاوينه وسماته في شعره ، فلو نظرنا لهذه الترجمات العديدة التي تطلع علينا بها الصحف والمجلات بين آن ٍ وآخر لبعض قصائد شاعر الأسبان ، سليمة دون أنْ يتطرَّق إلى مضمونها الأصلي مسخٌ أو تحريف ، وشرعنا في محاولة الإلماح إلى بعض خصائصها في شاعرية سعدي يوسف ، لما أوفينا على ما من شأنه إيهامنا أنَّ شاعرنا البصري يماثل الأسباني ( لوركا ) في المعنى وحرارة التجربة ، ســوى أنـَّه يوافقه في بعض الرموز .

فأينَ مَن يَدُلني على نص ٍ شعري واحد من النتاج الحديث ومن شعر المراثي بالذات يمكن أنْ نقارنه بهذه المقطوعة المترجمة من قصيدة ( لوركا ) تلك ، ومن قبل شاعرنا العراقي نفسه في حفالته بالصور الشفيفة والمضامين الرائعة ، وإيفائه بضروب المعاني الغزيرة التي لم تعِن بعد لواعية الشاعر العربي وتخطر في باله وتداخِل مخيلته بدلا ً من المعاني التقليدية التي جعلت من مرثيَّاته مجرَّد قصائد امتداح للموتى وثناء يُزجَى لسكان القبور :

الروح غائبة
لا الثورُ يعرفكَ ولا شجرة التين
لا الخيولُ ولا النحلُ في منزلكَ
والطفلُ لا يعرفكُ
لأنـَّك قد متَّ إلى الأبَد !
والمَسَاء لا يعرفكُ
وذكراكَ الصَامِتة لا تعرفكَ
لأنـَّك قد متَّ إلى الأبَد !
سيأتي الخريف بقواقعه وكرومِه الضَبَابية
وتلاله المنعقدة
ولكن لن يُحِبَّ أحدٌ أنْ يحدِّق في عينيكَ
لأنـَّك قد متَّ إلى الأبَد !
لأنـَّك قد متَّ إلى الأبَد !
مثلَ جميع ِ مَوْتى الأرض
لا أحدَ يعرفكَ ولكنـِّي أغني مِن أجلكَ
أغني لذراري إرْهَاصِكَ ولِرَوْعَتِكَ
من أجل ِ حَصَانتِكَ المُمْتدَّة الأوْضَاح
من أجل اشتهائِكَ المَوْتَ وطعم شفتيهِ
من أجل ِ أسْمَى مَكان ٍ في جَرْحِك البُطولِي
سَيَمْضِي زَمَنٌ طويلٌ قبلَ أنْ يُوْلدَ إنْ أمْكن
أندلسِيٌ طائرُ الصِيْت
غنِيٌ مِثلكَ بالمغامرة
إنـَّني أغني في رثائِكَ كلماتٍ مُنتحِبَة
وأتذكرُ نسِيْما ً حَزيْنا ً على أشْجَار الزَيتون
…………….

ولمثل هذا التجويد الفائق في العطاء والخصب الثر في الشاعرية ينبغي للأخوة الشعراء أنْ يتوقوا ويتحمَّلوا في سبيلها الجهد ويصبروا على المعاناة ، دون أنْ يتعجَّلوا النشر ويغريهم أنْ يروا نتاجهم الشعري مطبوعا ً تتداوله الأيدي .

وثمة مصائب وسمات قصور في نسيج سعدي يوسف ، سجَّلها له بعض نقادنا ، واشتطوا في مؤاخذته عليها ، ومحاسبته دونها بعسر ومن دونما رحمة ولا هوادة ، بينما انساق إليها هو موقنا ً أنـَّها من قبيل التجديد والإطلاع بمحاولة مستهدفة تحميل التفعيلة الجديدة ما لم يكن بمستطاع عمود الشعر القديم أنْ يتحمَّله من ضروب المعاني ، كأنْ يستهل قصيدته ( المسافر ) هكذا : ( كان معي في 5 / 6 ) ، ويؤرِّخ للحدث في قصيدته ( حكايات من البصرة ) : ( في الـ 54 هذا حين كنـَّا أصدقاء ) ، ثمَّ يقحم لفظة أجنبية وبكامل حروفها الإنجليزية في قصيدته ( اغتراب ) ، فكلُّ ذلك سبقٌ له إنْ تورَّط في البعض منه وانجرَّ إليه ودلَّ به في بعض قصائد ديوانه ( 51 قصيدة ) ، وأذكر أنـَّني قد أفضْتُ قبلا ً في تبيان زيف مثل هذا التجديد المريب الذي يوفي بلغتنا إنْ كثر أنصاره ومشايعوه ممَّن لا يجدونَ غضاضة في تقليد غيرهم على مراكب صعبة ليسَتْ في صالح هذه اللغة الكريمة بأيَّة حال ، وذلك خلال دراستنا النقدية لديوانه ذاك على صفحات جريدة ( الرأي العام ) العراقية ، أمَّا اليوم وإذ بدأتْ مثل هذه البُدع تتفشَّى وتزداد سريانا ً وتغري آخرين باحتضانها وتبنيها ، فلِمَ لمْ يغضب الجواهري ؟ ، ولمَ لم يشقٌّ المتنبي عن صدره الكفن التريب ؟ ، ويلح ملويا ً بهذا التجديد المزعوم مسفـِّها ً له ، تداركها يا أبا محسَّد ! .

تظلُّ بعد ذلك سمة التكرارية لألفاظ بعينها ومقاطع ذاتها ، وكلها موفقة شافعه فيها أنـَّها تلحُّ على وجدانه أكثر ، ممَّا يلحُّ سواها من الألفاظ والمقاطع ، فيفي بها ويجسِّد تأثيرها في نفسه ، إنَّ التكرارية المحبَّبة ذي في شعره تمثل حاجة نفسية وليسَتْ من قبيل الانسياق في إثارة الصخب اللفظي إذا جاز التعبير ، وشاعر ذو ملكة شعرية ومن طراز رفيع كسعدي يوسف لم يشأ مع ذلك أنْ يُعنى في صقل تعبيره وتجويد أدائه كلَّ العناية بحيث يغار على شعره من أنْ تتوشَّحه النثرية ويتسربل بها ، إنَّ هذه النثرية ليسَتْ بحال دليل عاطفة زائفة وحس ٍ مفتعل حالا دون أنْ تتأتى له الألفاظ بكلِّ حدَّتها وإرهافها وحرارتها وتطاوعه ، إنـَّما هي ظروف المعركة التي يخوضها الشعراء الجادونَ والمسهمونَ في إيقاد ضرامها والتصادي حيالها ، تصرفهم جميعا ً وتمسك بهم أحيانا ً عن العناية بصقل نغماتهم وتأدية ترنيماتهم برشاقة آسرة وتقنية أخـَّاذة :

خضراء أو صفراء أو حمراء
سكرة ذائبة في الثلج … برتقالة في الماء
لو ملأ الكوبَ بها لو ذاقها مرَّة
لكنَّ أم حسين ــ لم تعطه بالدين

http://m3rouf.mountada.net

الرجوع الى أعلى الصفحة  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى