m3rouf alkhoder
أهلاً بكم في المنتدى الخاص بمعروف الخضر يمكنكم تصفح الموقع ولوضع المشاركات يرجى التسجيل

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

m3rouf alkhoder
أهلاً بكم في المنتدى الخاص بمعروف الخضر يمكنكم تصفح الموقع ولوضع المشاركات يرجى التسجيل
m3rouf alkhoder
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
m3rouf alkhoder

منتدى شعري ثقافي

designer : yaser marouf email:y.a.s.e.r.94@hotmail.com

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

الدين والمجتمع في فكر سعادة ....د. أديب صعب

اذهب الى الأسفل  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

Admin


Admin


الدين والمجتمع في فكر أنطون سعادة
Views: 1067
د. أديب صعب
في الذكرى السبعين لاستشهاد المفكّر والقائد النهضوي أنطون سعادة
(1 آذار 1904 – 8 تمّوز 1949)
طالما دار في أوساط القوميين الاجتماعيين، من “منتسبين” و”موعوظين”، تساؤلٌ عما إذا كان المؤسس الزعيم أنطون سعادة مؤمناً بالله وعن نوع إيمانه. في رأيي أنّ هذا السؤال غير مهمّ في رسم صورة للرجل من حيث هو مصلح اجتماعي وصاحب فلسفة اجتماعية ومطلِق نهضة قومية. صحيحٌ أنه كتب كثيراً عن الدين، لكنه فعل ذلك ضمن إطار عمله الاجتماعي الذي تجاوَزَ هدف التنظير إلى هدف التغيير. وارتأى إبقاء مواقفه وممارساته الشخصية المستقلة عن العلائق الاجتماعية له وحده خارج التصريح والتداوُل. هل مارسَ، هذا المسيحيّ الشرقيّ الأُرثوذكسيّ المولد، طقوساً من نوع المناولة التي تلقّاها وهو متّجه إلى منصّة الاستشهاد؟ هل كان يذهب إلى الكنيسة، في الوطن أو في المهجر، وهل كان يشارك على نحوٍ تقليدي في الطقوس الكنسية؟ هل كان يرسم علامة الصليب جهاراً مع كل ذكر لـِ “الآب والابن والروح القدس”؟ هل كان – عند إطلاقه عبارته الشهيرة: “كلنا مسلمٌ لربّ العالمين؛ فمنّا مَن أَسلمَ لله بالانجيل، ومنّا مَن أَسلمَ لله بالقرآن، ومنّا مَن أَسلمَ لله بالحكمة” – يعبّر عن إيمانه الخاص؟ في حال أنه وضع نفسه في عداد المؤمنين، هل كان هذا الايمان عن طريق الانجيل، أي “الدين الموحَى”، أم كان عن طريق “الحكمة”، أي “الدين الطبيعي” أو العقلي؟
1942: الكتاب العربي الرائد في الفكر الديني – الاجتماعي
لئن كانت هذه الأسئلة والأجوبة عنها مهمة في كتابة سيرة شخصية أو شاملة لأنطون سعادة، إلا أنها غير مهمة، كما قلت، في سيرته كفيلسوف ومصلح اجتماعي. ولعله، حين أَعلنَ أنّ كل مواطني الأُمة السورية أو الهلال الخصيب “مسلمون” لله، قصد أمرَين: أحدهما طمأنة أبناء مجتمعه، الذين يخاطبهم خطاباً واحداً برسالته القومية، إلى أنّ هذه الرسالة ليست مضادة للدين والايمان الديني على غرار الدعوة السياسية المنافسة آنذاك، وهي الشيوعية. والأمر الثاني الذي قصده هو تأكيد المفهوم القرآني الواسع للاسلام، وهو التسليم بوجود الله وتسليم المؤمن شؤونَه لله، أي التسليم بالله والتسليم له. وقد رأى سعادة أنّ هذا الاستناد إلى المفهوم القرآني يخفف من حدّة التوتُّر الديني في المجتمع ويؤدي، مع الوقت، إلى تحقيق الانسجام والسلام في الجسم الاجتماعي.
1943: الكتاب الذي أَطلَقَ حركة الشعر العربي الحديث
المغالطة الاجتماعية
كان المجتمع أساسياً في نظرة سعادة إلى الدين. إلا أنه، على وجه العموم، لم يقترف ما أُسمّيه “المغالطة الاجتماعية” (sociological fallacy). وهي خطأٌ طالما وقع فيه عدد غير قليل من الفلاسفة الاجتماعيين وعلماء الاجتماع عندما نزعوا الاستقلالية أو الشرعية عن الدين وسلبوه ناحيته اللاهوتية وخفضوه إلى ظاهرة اجتماعية. وهذا حصل حتى الأمس القريب، يوم كانت العلوم الاجتماعية أقرب إلى الفلسفة التنظيرية، أي قبل تحولها إلى علوم سلوكية إحصائية. ولعلنا واجدون أفصح تعبير عنه في عبارة إميل دوركهايم، أحد زعماء علم الاجتماع، التي تذهب إلى أنّ “الله هو المجتمع مكتوباً بأحرُفٍ كبيرة وطريقة رمزية”.
أنطون خليل سعادة (1949 – 1904)
سعادة تحرَّى تأثير المجتمع على الدين. عند تفسيره، مثلاً، احتواء القرآن والتوراة على مقاطع تشريعية كثيرة إزاء خلوّ الانجيل من تشريعات مدنية، عزا هذه الظاهرة إلى الظروف الاجتماعية. فالانجيل نشأ وسط حضارة غنيّة بالتنظيم الاجتماعي والقوانين المتطورة، في حين نشأ القرآن، كما التوراة قبله، في بيئة بدوية ذات تشريعات بدائية. من هنا ظهرت الحاجة إلى سَنّ قوانين تكفل سلامة الجسم الاجتماعي، وكانت الرسالة الإلهية لا تكتمل إلا بالتشريع. لكنّ سعادة أصرّ على أنّ الشرائع الإلهية نسبية، أي أنها وُجِدَت لتلبّي حاجات ظرفية. وتجد هذه النظرة تأييداً في المبدأ الاسلامي الذي يذهب إلى فهم الآيات القرآنية بناءً على أسباب نزولها.
كان سعادة أميناً لمقاصد الدين الجوهرية عندما حَذَّرَ من أخْذ الرسالات الدينية آيةً من هنا وآيةً من هناك إلى حدّ الانحراف عن القصد الشامل للدين. هذه النظرة الشمولية تحتّمها عوامل، منها: التفكير السليم، التعددية الدينية، تعاطي الأفراد والمجتمعات والأُمم بعضها مع بعض، ضرورة تحقيق السلام الفردي والاجتماعي والعالمي. فالدين، كما في قول سعادة، وُجِدَ لتشريف الحياة لا لإذلالها. حتى الدين اليهودي، الذي بدا للعديد من قرّاء سعادة أنه يحاربه كدين، أقرّ سعادة أنه، في مراميه الأساسية، منسجم مع جوهر الدين الذي يرتكز إلى التسليم بوجود الله واتّباع الحق وفعل الصلاح من أجل كسب الحياة الأبدية. لكنْ لا بد من تشذيب كل دين من أُمور طارئة عليه – وبعض هذه الأُمور سوء الفهم وإساءة الاستعمال والتطبيق – لكي يؤدّي دَوره الرئيسي في “تشريف الحياة”.
المؤسف أنّ بعض مَن نصّبوا أنفسهم اليوم ناطقين باسم الدين – في لبنان وغير لبنان – لا يتورّعون عن التصريح بأنهم في صدد إقامة دولة دينية. موقف سعادة كان واضحاً لا لبس فيه بالنسبة إلى رفض فكرة الدولة الدينية. فالمبدأ الاصلاحي الأول الذي وضعه لحركته يدعو إلى “فصل الدين عن الدولة”، فيما يدعو المبدأ الثاني إلى “منع رجال الدين من التدخل في شؤون السياسة والقضاء القوميَّين”. ومما يعنيه هذا إلغاء ما يسمَّى القضاء المذهبي ووضع شرائع مدنية واحدة من أجل وحدة النظام الاجتماعي التي لا يتحقق سلام بدونها. ويتذرّع دعاة الدولة الدينية بأنّ نظرتهم التيوقراطية قائمة على أنّ الدين هو الانتماء الشامل في حياة الانسان، الذي تنصهر فيه كل الانتماءات الأُخرى. لكن إذا كانت الحال هكذا بالنسبة إلى المسلم اللبناني، فلماذا لا تكون هكذا بالنسبة إلى المسيحي اللبناني أيضاً؟ ألا يستطيع المسيحي اعتماد المنطق نفسه ليقول بأنّ إيمانه يشمل كل شيء في حياته، ولا يُبقي شيئاً خارجاً بما فيه النظام الاجتماعي والدولة؟ من الواضح أنّ منطقاً كهذا يضعنا أمام فَوضى تيوقراطيّات تجرّ الويل على المجتمع. وإذا تسنّى لتيوقراطية معينة أن تستلم الحكم، فالحاكم سوف يدّعي أنه ينوب عن الله، وبالتالي يحمّل الله كل نقائصه وموبقاته. وقد لاحظَ سعادة هذه الأُمور كلها في شرحه المبدأ الاصلاحي الأول من مبادئ حركته، الداعي إلى فصل الدين عن الدولة. وأَوضحَ أنّ الخطر ليس من الجامعة الدينية الروحية، بل من الجامعة الدينية المدنية والسياسية المناقضة للدولة القومية، وأنّ محاربة الدين كنظام حكم سياسي لا يعني محاربة “الأفكار الفلسفية واللاهوتية المتعلقة بأسرار النفس والخلود والخالق وما وراء المادة”.
أنطون سعادة: ذروة النهضة العربية
في كتاباتي في فلسفة الدين، مَيَّزتُ بين ما سَمَّيتُه “دولة دينية إسمية” تتكنى باسم دين معين فتخسر ولاء ذوي الأديان الأُخرى وتَظلم رعاياها باسم الله، و”دولة دينية فعلية” تنتهج قيم الحرية والعدالة والمساواة واحترام كرامة الانسان لتقيم حكمها على جوهر الدين. كما كتبتُ: “لقد أَرهقَنا الدين وأدعياؤه، حتى كادت عبارة ‘الدين’ تقتصر على مدلولات سلبية لكثرة ما استغلّوها لمآرب خاصة. إذا سُئِلتُ عن أنبل كلمة في القاموس لأجبتُ: ‘الدين’، وعن نقيضها لأجبتُ أيضاً: ‘الدين’. ذلك أنّ الدين، حسب استخدام الناس له، أي حسب تمسكهم بجوهره الصحيح أو بقشوره التي أَقحمها منحرفوهم عليه لخدمة مصالحهم الالغائية، هو مصدر خير كما هو مصدر شر. أَعطِني ‘ديناً’ – لا سمح الله – خالياً من الحرية والعدالة والمساواة واحترام كرامة الانسان والمحبة والسلام، وأَعطِني من ناحية أُخرى نظاماً تحت أيّ اسم، لكنْ نظاماً قائماً على هذه القيم، فلا شك أني أَرفض الدين الاسمي وأَختار ذاك النظام الآخر ديناً فعلياً”.
لعلّ سعادة كان مغالياً في إيحائه بأنّ رسالته هي “إنجيل الأرض”، في حين أنّ الكتب الدينية المقدسة هي “إنجيل السماء”. هذا الكلام قد يكون دليلاً على وقوعه في ما سمَّيتُه المغالطة الاجتماعية. ومن شأنه أن يَضع فكر سعادة القومي في صراعٍ لا لزوم له مع الفكر الديني. فما من مؤمنٍ جادّ يرتضي أن تقتصر رسالتُه الدينية على مسائل متعلقة بالحياة الثانية، أي بما هو وراء هذه الأرض وهذه الحياة. إنّ تعاليم المسيح مثلاً، التي يمكن أن تُوجزها موعظته على الجبل، واختصاره كل النواميس بالمحبة، أي محبة الانسان لله التي تتجلى في محبته للانسان الآخر كائناً من يكون كبرهان على محبته لله، هي تعاليم لهذه الحياة. إنها “إنجيل الأرض” و”إنجيل السماء” في آنٍ معاً.
الفصل الثالث من كتاب د. أديب صعب (2006) هو دراسة عن أنطون سعادة
مواقف تصحيحية
إنّ المغالاة في تهميش الدين، التي وجدت طريقها إلى صفوف القوميين، وَلَّدَت مواقف يمكن أن نسمّيها “تصحيحية” لدى عدد من ذوي الخبرات الحياتية القائمة على عناصر روحية متطورة من معتنقي رسالة سعادة. قد يكون من هؤلاء فخري معلوف الذي اعتبر سعادة تحوُّله الروحي “انحرافاً نحو القضايا الغيبية واللاهوتية”. لكنْ، كما كتبتُ في فصل عن سعادة، “أَلا يمكن أن يكون فخري معلوف استيقظ على بُعدٍ في أعماق نفسه حملَه، مع الوقت، إلى اعتزال العالم والتأمل، فوجد ذاته الحقيقية الأصيلة هناك أكثر مما وجدها في العمل الحزبي والاجتماعات الحزبية مع أشخاص لا تعني لهم هذه الأبعاد شيئاً إذ لم يحصل في تجاربهم الشخصية ما يوقظهم عليها؟ أَلَيس لمعلوف الحق في أن يقتنع بأنّ هذا البُعد الروحي أَولى من الوطن والأُمّة بالنسبة إليه؟ ومَن يدري أنه لم يستلهم، في تجربته الجديدة هذه، أشخاصاً دعا سعادة نفسه إلى استلهامهم، مثل يوحنّا الذهبي الفم وأفرام السرياني؟ إلا أنّ هذا كله لا يلغي مرارة سعادة على وقف معلوف المفاجئ عمله في الحزب القومي الاجتماعي لما يتمتع به من مواهب ومناقب تجعله أقرب المعاونين إليه، في مرحلةٍ كانت الحاجة إلى الإحياء القومي، في تقدير الزعيم، هي الحاجة الأكثر إلحاحاً”.
في خط مجاوِر لإيحائه باقتصار الدين على ما عَدَّه أُموراً غَيبية، رفضَ سعادة ما سمّاه “الميتافيزيق”. وتبعه القوميون أفواجاً في ذَمّ هذا “الميتافيزيق” المنكود. وهؤلاء الأتباع، على العموم، أُناسٌ يميّزهم الانقياد الأعمى والافتقار إلى العقل النقدي. وهم أشخاصٌ لم يقرأُوا شيئاً لأنّ الذي قرأ لهم وعنهم حجّةٌ ليست أقل من الزعيم. والواقع أنّ سعادة، بِرَفْضه ذلك الفرع من الفلسفة المسمَّى “الميتافيزيق”، وضع نفسه في خط عدد من المفكرين الاجتماعيين والسياسيين الذين رفضوا الميتافيزيق أيضاً باعتبار أنه لا يفيدهم في نسج فلسفة سياسية واجتماعية. وقد استندت بعض تلك المواقف الرافضة إلى سوء فهم للميتافيزيق على أنه معنيٌّ بما سمّوه “الماورائيّات” أو “الأُمور الغيبية”.
لكن إذا تحرَّينا أصل الكلمة، لوجدنا أنها تعود إلى باحث من القرن الأول قبل الميلاد، اسمه أندرونيكوس الرودسيّ، كان رئيس المدرسة الفلسفية المشّائيّة، أي الأرسطية، في أيامه، وتولّى جمع أعمال أرسطو الكاملة وتحريرها وإطلاق عناوين عليها. العمل الرئيسي الأول كان كتاب أرسطو العلميّ الذي لم يجد أندرونيكوس أيّ صعوبة في إعطائه اسم “الطبيعة” (أي الفيزياء أو “الفيزيق”). أما العمل الرئيسي الثاني، الذي يتناول الكون من حيث الهدف والمعنى والغايات القصوى، والذي يستعمل الفيلسوف الاغريقي فيه عبارات مثل “الفلسفة الأُولى” و”اللاهوت” و”الإلهيّات”، فلبث أندرونيكوس محتاراً في العنوان الذي يطلقه عليه، إلى أن سمّاه أخيراً “الميتا-فيزيق”، بمعنى الكتاب الذي يلي “الفيزيق”، لا بمعنى “الماورائيات” التي باتت مع الوقت تُطلَق خطأً عليه.
بمعناه الفلسفي الأصلي، الميتافيزيق هو النظرة إلى الحقيقة، أي إلى العالم والانسان. وهو، بهذا المعنى، أصل كل نظرة فلسفية؛ وما عداه، مثل نظرية المعرفة والأخلاق والسياسة والمجتمع، فروع. حتى كارل ماركس، الذي يذهب العديد من الدارسين والأتباع إلى خلوّ فلسفته من “الماورائيات” واقتصارها على المجتمع، كانت له نظرة إلى الحقيقة القصوى هي النظرة المادية. وهذه، من حيث كونها نظرة إلى الحقيقة، هي ميتافيزيق. وهو ميتافيزيق رفضه سعادة من خلال النظرة التي سماها “المدرحية”، باعتبار الحقيقة وحدة متكاملة من المادة والروح. وطالما شدّد سعادة، في كتابه الرائد “الصراع الفكري في الأدب السوري” الذي كان من أهمّ ركائز الحداثة الشعرية العربية، على أهمية استناد الشاعر والأديب والفنان عموماً إلى نظرة في الحياة والكون والفن.
في الكتاب نفسه أشار سعادة إلى أهمية اعتماد الرموز للتعبير عن أعماق النفس البشرية، باعتبار أنّ الرموز تعين على ربط الحالات الذاتية الخاصة بما هو موضوعي ومشترك بين الناس. وأعطى الأساطير مثلاً عن الرموز. لكنه انتقد استخدام القصص اليهودية مثل قصة بنت يفتاح التي بنى عليها سعيد عقل ملحمة شعرية، والقصص العربية الجاهلية مثل روايات عبقر التي بنى عليها شفيق معلوف ملحمة شعرية أيضاً، داعياً إلى استلهام أساطير الهلال الخصيب التي تدور على أبطال مثل أدونيس وعشتروت. وفي طليعة المتأثرين برسالة “الصراع الفكري في الأدب السوري” الشاعر أدونيس. وما هو إلا وقت قصير حتى نشأت ونمت ظاهرة “الشعراء التموزيّين”، أي أُولئك الذين استخدموا أساطير الحضارة السورية في شعرهم، ومنها أُسطورة تمّوز. والحقّ أنّ الحداثة في الشعر العربي مَدينة لا إلى الشعراء الذين حققوها فحسب، بل إلى تنظير المفكر العظيم الرائد أنطون سعادة الذي دعاهم إليها.
الصفحة الأُولى من دراسة أديب صعب
هنا أيضاً وقفت مجموعة من القوميين موقف الهلع تجاه استعارة الرموز والقصص من المسيحية والاسلام، وخصوصاً من المسيحية كأقلية، في نظرهم، حيال أكثرية، وتوهّمت أنّ خطّ الفكر القومي الاجتماعي “القويم” يقتضي تجنب استخدام قصص دينية قد تثير الخلاف، ومنها قصة صلب المسيح، والاستعاضة عنها بقصص من الحضارة السابقة للمسيحية والاسلام. لكني أجد في هذا الموقف تشويهاً لدعوة سعادة. فلماذا يكون “سرجون” و”هرجون” و”مرجون” – إنْ شئنا ابتكار تسميات – ذوي أولوية على المسيح ومحمّد؟ أيَكون هذا نابعاً من مبدأ “ابتعد عن الشر وغَنِّ له”؟ هذا النوع من سوء الفهم ينقض جوهر “الاسلام في رسالتيه المسيحية والمحمّدية”. ليس لاعتبارات كهذه أن تُلزِم الشاعر. والأحرى أن يكون للشعراء والفنانين ملء الحرية في استخدام أيّ نوع من الرموز والقصص، سواء أكانت دينية أم غير دينية، وسواء أكانت مسيحية أم إسلامية أم غير ذلك.
أخيراً، ثمة حاجة إلى دراسات جدية تتناول أنطون سعادة كمفكر بلغت معه النهضة العربية ذروتها. والجدية المنشودة تقتضي تحرير سعادة من الدارسين الحزبيين العقائديين عن أيّ جانب. “فالحزبيون من أيّ لون”، كما قلتُ في كتابي “هموم حضارية”، “سلَفيّون على العموم، تتحكم بهم نتائج مسْبَقة لا يمكن أن تعدَّل في ضوء الواقع. والأحرى أنهم يعدِّلون الواقع في ضوئها لأنها هي فكرهم المعلَّب الجاهز”. ذلك أنّ لدى دارسي سعادة من حزبه “نزوعاً نحو تنزيه زعيمهم عن كل هفوة إلى حد وضعه خارج النقد، مع نزوع في الوقت نفسه نحو الاستخفاف بسواه من المفكرين والمثقفين والقادة، خصوصاً الذين انتقدهم هو شخصياً… من جهة أُخرى، لا أَرى أن يكون دارس سعادة المنشود من حزب آخر. فالنظرة إلى سعادة من الشيوعيين، مثلاً، أو القوميين العرب أو القوميين اللبنانيين تكتنفها سلبيات، أهمها جهل قيمة سعادة الحقيقية في ذاته وبالنسبة إلى معاصريه، إضافةً إلى تأثر هذه النظرة بالمنافسة السياسية أو الحقد التاريخي المتبادَل بينهم وبين القوميين”.
د. أديب صعب
لكن حان الوقت لكي يبصر هذا النوع من الدراسات المسؤولة النور، فيكون للمكتبة العربية مجموعة كتب تتناول أنطون سعادة في كل عمل من أعماله الفكرية الرائدة، وأهمها “نشوء الأُمم” في فلسفة الاجتماع و”الاسلام في رسالتيه المسيحية والمحمّدية” في فلسفة الدين و”الصراع الفكري في الأدب السوري” في فلسفة الشعر والأدب والفن، كما تتناوله في إنجازه الفكري التنويري ككل. وتصير هذه الكتب مصادر ومراجع لا بدّ منها لكتاب حول “عصر التنوير العربي”، يغدو بِدَوره مصدراً ومرجعاً لدراسة حركات التنوير الفكرية حول العالم.

http://m3rouf.mountada.net

الرجوع الى أعلى الصفحة  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى