m3rouf alkhoder
أهلاً بكم في المنتدى الخاص بمعروف الخضر يمكنكم تصفح الموقع ولوضع المشاركات يرجى التسجيل

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

m3rouf alkhoder
أهلاً بكم في المنتدى الخاص بمعروف الخضر يمكنكم تصفح الموقع ولوضع المشاركات يرجى التسجيل
m3rouf alkhoder
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
m3rouf alkhoder

منتدى شعري ثقافي

designer : yaser marouf email:y.a.s.e.r.94@hotmail.com

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

الجزء الأول من قصة " فاجعة حب " بقلم الزعيم 1931

اذهب الى الأسفل  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

Admin


Admin

جعة حبّ -قصة بقلم أنطون سعاده
الأحد, 19 آب 2007



فاجعة حبّ بقلم أنطون سعاده





قصتَان :عيد سَيدة صَيدنايا فاجعة حب





مقدمة المؤلفْ







إن الغرض الذي وضعته نصب عيني والقصد الذي رميت إليه حين شعرت بدفع داخلي يدفعني إلى تأليف القصص كانا: تصوير حياتنا الشعبية واستخراج دروس قومية واجتماعية منها، بل أني شعرت بدافع يدفعني إلى هذا الغرض وهذا القصد كالدافع الفني الذي حدا بي إلى إنشاء قصتي عيد سيدة صيدنايا وفاجعة حب، أي أن الغرض والقصد المذكورين لم يكونا هما الدافع الذي حملني على مكابدة الأدب القصصي، ولو كان الأمر كذلك لما وجدت مبرراً للإقدام على هذا العمل الشاق واتخاذ هذه الخطوة الخطيرة.



بنيت القصة الأولى على مشاهدتي الشخصية في عيد سيدة صيدنايا المشهور الذي حضرته للمرة الأولى سنة 1930 فجاءت قصة بسيطة الموضوع الحيوي إلا أنها دقيقة الموضوع الفني، غنية بمظاهر الحياة الشعبية، ويرى القارئ أني قد انتخبت لبطولة هذه القصة شخصاً نادراً جهزته الطبيعة بمزاج قوي وتركب فيه خلق خاص فهو رجل وحده، مستقل بذاته استقلالاً نفسياً يفرده عنا حتى أننا كثيراً ما نسيء اختباره وفهمه، ولكني لم أجتهد أن أجعله رجلاً خارقاً خارجاً عن حدود الرجال الطبيعية أو شخصاً خيالياً يستحيل أن يوجد في عالمنا هذا أو في محيطنا القومي، بل أني اجتهدت كثيراً في انتقائه من بيئتنا فهو شخص منا وحي من أحيائنا وقد عنيت عناية خاصة بوصف المكان والزمان اللذين حدثت فيهما القصة وتصوير المظاهر الشعبية التي رافقت حوادثها، فالدروس التي تتضمنها قصة عيد سيدة صيدنايا هي دروس في شخصية أحد أفراد الشعب وفي مظاهر الشعب العادية لا في المواضيع النظرية والفلسفية.



أما القصة الثانية فهي ذات موضوع حيوي دقيق له علاقة كبيرة بحياتنا الاجتماعية وآدابنا القومية، ويتناول موضوعها كبرى قضايا حياتنا الاجتماعية والقومية العصرية: الصراع بين عهد الخمول وعهد التنبيه والنهوض، العراك بين الأنانية والخير العام، بين المادية الحقيرة والنفسية السامية، بين الحيوانية والإنسانية، بين الرذيلة والفضيلة، وبطلها (سليم) شخص ذو نفس فنية شعرية حساسة إلى الدرجة القصوى، كما بينت ذلك في بداءة القصة.



ضمنت فاجعة حب انتقاد بعض عاداتنا وتقاليدنا القديمة ونظرة في بعض نواحي حياتنا الاجتماعية العصرية وبعض المسائل النفسية والمثلية، وقد تناولت فيها، عدا البطل، أشخاصاً آخرين كالسيدة ك. والسيدة و. والسيد ج. وزوجه والشاب مخائيل والآنسة دعد، واعتنيت كثيراً في انتقاء هؤلاء الأشخاص من مجتمعنا حتى ظهروا بصفات طبيعية لا تكلف ولا خيال فيها، أما الحديث الموسيقي الذي أثبته في صدر القصة فهو درس خاص قصدت أن أشرح فيه خلاصة النظرية العصرية الراقية في الموسيقى وأغراضها، وعسى أن أكون توفقت في ذلك، وأعتقد أن نفسية سليم ودعد تمثل ظاهرة نفسية جديدة في حياتنا الاجتماعية مختلفة كل الاختلاف عن النفسية البادية في جميع الأشخاص المحيطين بهما.



وقصدي الأول من هذه القصة أن أوضح الحالة المادية المسيطرة على عقولنا ونفوسنا حتى أننا نجبن عن مواجهة الحياة الفنية ونفضل الخمول على المجازفة ببعض راحتنا، ونخاف كثيراً من الوقوع في صعوبات الحياة ومجابهتها، ولا نشرع أن للإنسان قيمة غير قيمته المادية، بل أننا دائماً مستعدون لقتل العواطف الحية من أجل تأمين راحة الجسد، ورأيت أن أبين فيها أغراق مجموعنا في إهمال فضائل كثيرة ضرورية لارتقاء نفسيتنا وعقليتنا ولو أدى إهمالها إلى القضاء على كل أمل لنا بحياة حرة راقية وكل مطلب أعلى تتجه نحوه بصائرنا ولا أكتم القارئ خشيتي من أن ينحي بعض الكتاب الانتقاديين باللائمة علي لجعلي القصة فاجعة انتصرت فيها الحيوانية على الإنسانية والرذيلة على الفضيلة فعاكست بذلك المبدأ الذي اتبعه شكسبير في قصته الشعرية التي صدرت فاجعة حب ببيت منها وهو المبدأ القائل بضرورة تأييد الفضيلة وجعلها دائماً وأبداً منتصرة، والحقيقة إني أنا نفسي ترددت كثيراًُ في بادئ الأمر حتى انتصار الفضيلة الدائم في الأدب قد يقلل من أهمية الدعوة إلى نصرتها في الحياة، ولما أمعنت النظر في ظروف القصة وجدت الأسباب الروائية الخاصة بها والأمانة للواقع توجب جعل الختام على الوجه الذي وضعته، خصوصاً بعد أن درست حالة البطل سليم ووجدت أنه سابق زمانه بعقد أو عقدين من السنين على الأقل، فضلاً عن أن ظروف المحيط والبيئة يجعلان النتيجة التي اخترتها أكثر انطباقاً على الواقع.



أرجو أن أكون قد أحسنت انتقاء الغاية وأصبت اختيار السبيل إليها. ([1])







--------------------------------------------------------------------------------

[1] طبعت هاتان القصتان للمرة الأولى في بيروت عام 1931





فََاجعة حبْ



Some rise by sin.

And sone by virtue fall





SHAKESPEARE





شهدت فيما مضى حوادث كثيرة لست أذكر الآن منها إلى حادثة واحدة ليس إلى نسيانها من سبيل، فلا مرور الزمان وتقادم العهد ولا شواغل الفكر واضطرابات الحياة تمكنت أو تتمكن من محوها من نفسي، مع ذلك فالواقعة بسيطة خالية من الشؤون الغريبة الباهرة التي تبدو في هذه الحياة شؤوناً غير عادية، ولكن من يدري، فلعلها ليست بسيطة بهذا المقدار، أو لعل في بساطتها شيئاً غير عادي جعلها ترسخ في نفسي، ويدفعني الآن إلى روايتها وفي نفسي ألم وأسى لأنها انتهت بفقد صديق حميم لي على كيفية تجعل قلب كل إنسان رقيق الإحساس يتفطر حزناً.

كان صديقي سليم مولعاً بدراسة الموسيقى، وكنت أنتظر أن يخرج ناظماً موسيقياً مجدداً لما كنت أعهده فيه من شدة العواطف وسلامة الذوق وقوة الشعور وما كان هو عليه من سمو الإدراك وتعمق في الفهم، كانت نفسه كبيرة حتى كأنها تسع الكون، وكان يحب أن يرى شعبه آخذاً قسطه من الموسيقى العالية أي أ نه كان يريد أن يرى في شعبه موسيقى سامية تستطيع أن تعبر حقاً عما في القلب من شعور وما في العقل من تأملات أدبية وفلسفية، ولا أزال أذكر حديثاً له حين كان قلبه طافحاً بالعواطف القوية ونفسه مترعة بالآمال الكبيرة، وهو حديث لا يكاد يمثل ما كان عليه سليم ولكنه يجعل الذين يسمعونه أو يقرأونه يشعرون أن ما كان يجول في فكر المحدث شيء سام لو أنه تحقق لانتشل حياة شعبه انتشالاً تاماً من الجمود والخمول اللذين لا يزالان يرافقانها، من أجل ذلك رأيت أن أثبته فيما يلي كما يحضرني وأظن أنه لا يكاد يفوتني شيء منه.

كنا مرة مجتمعين في حلقة من الأصحاب فأخذنا نتحدث فيكل علم وفن حتى تطرقنا أخيراً إلى الموسيقى، وكان بيننا من شب ولم يسمع سوى الألحان الشرقية الشائعة عندنا التي يسمونها خطأ (الألحان العربية) وإذا كان قد سمع بعض الأنغام الغربية فهو لم يعبأ بها ولم يحاول فهمها، وكان آخرون ممن سمعوا الألحان الشرقية والأنغام الغربية ووقفوا على ما في هذين النوعين من الموسيقى من فن وافتتان، فقدم هؤلاء الأنغام الغربية على الألحان الشرقية لرقي تلك وغناها في التعبير عن الحياة العاطفية ولفقر هذه من هذه الوجهة ووقوفها عند حد التعبير عن الحالات الأولية، وتعصب أولئك- ولعل تعصبهم من باب الشعور القومي غير الناضج وغير الواضح، والتمسك بمبدأ المحافظة- للألحان الشرقية، وهذا شيء طبيعي، فالذين يفهمون لحناً موسيقياً واحداً فقط يفضلونه على كل لحن ونغم غيره.

وكان من وراء ذلك أن الجدل في هذا الموضوع احتدم بين الفريقين وطال السوريين إلى هذا اليوم، فإننا قليلاً ما نتناقش في أمر بقصد التوسع في المعرفة أمره حتى خشيت أن يؤول إلى تباغض وشحناء، كما جرت العادة عندنا نحن والفهم، وتبين وجه الصواب ووجه الخطأ، ألا أننا لم نبلغ هذا الحد في هذه المرة، لأن الفريقين المتجادلين قراراً أن يستفتيا سليماً في الأمر بصفة كونه خبيراً في نوعي الموسيقى، الشرقي والغربي، ومحباً للإنصاف والحقيقة فسأل سليم أحد المتشبثين بأفضلية الموسيقى الشرقية المحافظة، واسمه بهيج، قائلاً: (أتدري، يا صاحبي، لماذا وجدت الموسيقى).

فأجاب بهيج بلهجة الموقن: أجل وجدت الموسيقى لتكون لغة العواطف.

قال سليم: "لو كنت خبيراً بالموسيقى لما جزمت بهذا التحديد الذي يجرد الموسيقى من ثلثي مزاياها على الأقل."

فهتف أربعة دفعة واحدة: ثلثي مزاياها؟!

سليم: "نعم، ثلثي مزاياها".

بهيج: "إذن، كيف تحددها أنت؟"

سليم: "إني أحددها بإطلاقها من كل تحديد، فإنك تستطيع أن تعرف الكثير من مزايا الموسيقى ولكنك لا تتمكن من حصرها، ليست الموسيقى لغة العواطف فحسب بل هي لغة الفكر والفهم أيضاً، أنها لغة النفس الإنسانية بكل ظواهرها وبواطنها، وإن شئت فقل أن الموسيقى تتناول العواطف الأولية والحالات النفسية على أنواعها والأصوات على اختلافها والشعر والأدب والفلسفة، ومن هذه الوجهة لا يمكنك أن تقسم الموسيقى إلى قسمين، شرقي وغربي، وإنما يمكنك أن تميز بين الأساليب الشرقية والأساليب الغربية في التعبير عن المعاني النفسية المقصودة من الموسيقى، وبين أصناف هذه المعاني عينها، فمتى كانت الموسيقى الغربية تعبر عن العواطف والحالات النفسية التي تعبر عنها الموسيقى الشرقية عينها أمكنك فهمها بكل سهولة وإن اختلف أسلوبها فيتضح لك مما تقدم أن وجه الفرق في ما تسمونه الموسيقى الشرقية أو العربية والموسيقى الغربية ليس في أساس الموسيقى، فلا يوجد نزاع قط من هذا القبيل، بل في المعاني التي يقصد التعبير عنها عند الشرقيين وعند الغربيين وفلي الأساليب المتخذة لبلوغ هذا الغرض، وإن الفرق الذي تجده بين أساليب الموسيقى الشرقية ونظائرها الغربية ليس إلا مجرد تنوع يتبع حالات نفسية خاصة، ويمكنك أن تجدد البرهان القاطع على صحة هذه النظرية في العلوم الطبيعية والنفسية وفروعها، فإن هذه العلوم تثبت بما لا يقبل الرد أن الطبيعة البشرية واحدة في جميع العناصر والشعوب وأن تعددت الأمزجة، إن عواطف الحب والبغض والرقة والقسوة والسرور والحزن وبواعث الطرب والتأمل واللهو والتفكير والطموح والقناعة وما ينتج عنها جميعها من ثورات وانفعالات وتصورات نفسية تقصِر الكلمات عن وصفها، كل هذه واحدة في جميع الأمم في الشرق والغرب ولا فرق بينها إلا بمقدار تنبه النفوس وارتقائها وشدة شعورها أو خمولها وانحطاطها وعدم شعورها فالقوم الذين لا تزال نفسيتهم في دورها الابتدائي أو كانت محجوزاً عليها بحكم العادات والتقاليد العتيقة، الناتجة عن تلك النفسية، كانت موسيقاهم ابتدائية أيضاً، وهي في هذه الحال لا تعبر إلا عن العواطف التي هي شيء مشترك بين الإنسان والحيوان كالشهوات الجنسية التي تمثل معظم عواطف هؤلاء القوم، وبعكس ذلك، القوم الذين تحررت نفسيتهم وارتقت فإن موسيقاهم تعبر عن عواطف تسمو على الشهوات الجنسية التي تمثل معظم عواطف هؤلاء القوم، وبعكس ذلك، القوم الذين تحررت نفسيتهم وارتقت فإن موسيقاهم تعبر عن عواطف تسمو على الشهوات الجنسية تخيلات تعلو عن الأغراض الحيوانية الدانية، إذ لم يعد مطلبهم في الدنيا مقتصراً على (وصال الحبيب)، بل أصبح مطلباً أعلى يرفع الحب نفوسهم إليه ويشحذ عزائمهم لتحقيقه، مولداً في نفسهم من العواطف السامية والأفكار والتخيلات الكبيرة مالا يستطيع فهمه من همه وصال الحبيب وعلى الدنيا السلام، هذه هي العواطف والتصورات والأفكار التي تعبر عنها موسيقى أمثال بيتهوفن الذي بلغ في الفن الموسيقي حد الألوهية لأن معزوفاته استغرقت أسمى ما تصبو إليه النفس البشرية في الحياة، أنه كان يشعر بعواطف وآمال وأميال جميع أخوانه البشر حتى كأن نفسه كانت مؤلفة من كل النفوس، وهذه هي صفة النابغة كما هي الشاعر والأديب النابغة، أنظر إلى ما تعبر عنه معزوفات هذا الموسيقي الخالد، خذ مثلاً، سيمفونيته السابعة التي أجاب بها على مدافع السفاح نابوليون بتيار من الأنغام تحول إلى تيار من العواطف البشرية الطالبة الحرية، الثائرة على الظلم والاستبداد، لا يزال جارياً وسيظل جارياً أبد الدهر! أنظر إلى معزوفاته الأخرى كسيمفونيته الخامسة المعبرة عن الصراع بين عوامل الفناء وعوامل البقاء -بين الموت والحياة وانتصار هذه بفتوتها على ذلك بهرمه- ومعزوفات غيره من الموسيقيين الخالدين، فهي لا تقف عند رفع العواطف الروحية فحسب إلى مراتب السمو، بل تتعداه إلى رفع الأفكار والتصورات العقلية أيضاً، لا، يا صاحبي، لم توجد الموسيقى لتكون لغة العواطف الأولية التي وقفت عند الموسيقى التقليدية الشائعة بينا، بل لغة النفس بجميع ما فيها من عواطف وأفكار).

بينما كان سليم يتكلم كان الأصحاب جميعهم مصغين كل الإصغاء، فقد كانت هذه المرة الأولى التي يسمعون فيها حديثاً من هذا النوع، وبعد صمت ظهر في أثنائه أن الرفقاء كانوا يجتهدون في فهم خطاب سليم ويحاولون إدراك المدى البعيد الذي بلغه قال بهيج: (ما رأيك إذن في موسيقانا)؟

سليم: (الحقيقة، يا صديقي، إنه ليس لنا موسيقى تعد نتاج نفسيتنا، نحن السوريين، من حيث أننا قوم لنا مزايا خاصة بنا، أما الألحان الشائعة بيننا فليست، باستثناء ألحان شعبية معينة، مما نشأ من نفسيتنا، بل هي مزيج من نفسيات أقوام مختلفة، وإذا كان فيها ما يعبر عن جزء يسير من عواطفنا ومزاجنا فهي تقصر تقصيراً كبيراً عن استيعاب ما في أعماق نفوسنا من شعور يستغرق ما في الكون من عوامل ومؤثرات نفسية وما في صميم عقولنا من تصورات وتأملات تظهر فيها حقيقة طبائعنا ومواهبنا، أن الألحان التي تسمعها كل يوم ليست خارجة من نفسيتنا بل هي مما دخل على تقاليدنا وعاداتنا، أنها ألحان تقليدية فحسب).

بهيج: إذن، أنت تفضل الموسيقى الغربية.

سليم: قلت إنه لا تفضيل في الموسيقى، إنما إذا كنت تريد معرفة رأيي في الفرق بين موقفنا من الموسيقى وموقف أهل الغرب منها فإني أصارحك أن شعوب الشرق، خلا الروسيين، إذا كانوا يحسبون شرقيين، قد عدلت عن الأسس الموسيقية إلى الألحان الموضوعة، أو هي قد اقتصرت في الموسيقى، على طائفة من الألحان لا تجد عنها محيداً، وهذا كان شأن أهل الغرب أيضاً، إلا أنه لما ارتقت نفسيات البشر وعقلياتهم اضطرت الموسيقى إلى مجارات هذا الارتقاء لكي تعطي المثل الصحيح للعواطف والأفكار الجديدة التي لم تعد الألحان الموضوعة تكفي للتعبير عنها، وقد سبق الغربيون أهل الشرق إلى إدراك ذلك فأحدثوا في الموسيقى تطوراً خطيراً، إذ أنهم عدلوا عن الألحان إلى الأصوات المفردة التي هي أساس الموسيقى فرتبوها وأدخلوا على الموسيقى الأدب والفلسفة، فضلاً عن الشعر، وهكذا استتب لهم إظهار مكنونات النفس الراقية بواسطتها، وهذا ما يجب أن يحدث في سوريا لا وفي كل قطر فيه شعب حي في نفسيته وعقليته، أن التقاليد القديمة المستعارة قيدت نفسونا بألحان محدودة ابتدائية قد أصبحت حائلاً بيننا وبين الارتقاء النفسي، إن في فطرتنا ونفوسنا شيئاً أسمى مما تعبر عنه هذه الألحان الجامدة، شيئاً أسمى من الشهوات أو العواطف الأولية، إن في أنفسنا فكراً عاطفياً وفهماً عاطفياً يتناولان التأملات العميقة في الحياة والرغبة الشديدة في تحسينها من وجوه متعددة: اجتماعي، قومي، روحي، إنساني، ويدفعنا نحو مطلب أعلى أليق بوجودنا يحتاج تحقيقه إلى أنواع من الموسيقى غير الألحان أو حالة التدله في الغرام، فإن نغماً وضع لحالة من هذا النوع لا يصح أن يستعمل في حالة أخرى تختلف عنها كل الاختلاف كحالة غضب النفس وثورتها على الاستبداد والظلم أو حالة التأمل، بل أن لحناً وضع لحالة نفسية منذ نحو ألفي سنة لا يمكنه أن يعبر عن هذه الحالة بعد مرور زمن طويل اكتسبت فيه النفس من الاختبارات ما رقى شعورها وأكسب الحالة النفسية المقصودة معاني جديدة تحتاج إلى أنغام جديدة لوصفها، فإذا كنا نريد أن تحيا نفسيتنا حياة راقية تقربنا من أكناف السعادة وجبت علينا أن نحررها من ربقة الألحان التقليدية التي لا تغذي إلا العواطف الدنيا، وأن نعود إلى الأصوات نفسها فنسلط عليها فكرنا العاطفي وفهمنا العاطفي ونستخرج منها موسيقى تغذي كل عواطفنا وكل تصوراتنا وتظهر بواسطتها قوة نفسيتنا وجمالها).

لما أتم سليم عبارته التفت إلى الرفقاء فوجدت بهيجاً وأصحابه قد وقفوا عند أفكار جديدة لم يكونوا قد سمعوا مثلها من قبل، ثم أن أحدهم نظر إلي وخاطبني قائلاً: (ما رأيك يا سيدّ في ما يقوله سليم)؟

قلت: (إني أوافق على جميع ما قال واتخذ من حكمه في الموسيقى حكماً في الأدب، أنظر إلى شعرائنا كيف يحدون العيس في منظوماتهم، وما هم في لك إلا مقلدين لأن حدي العيس ليس من شؤون شعبهم ولا من مظاهر تمدنهم، وغلى كتابنا كيف يتكلمون عن الغرباء والبطحاء وبلادهم جبلية خضراء، أن التقليد قد أعمى بصائرهم عن الحقيقة، وإني لأعتقد أنه لابد من القيام بجهود جبارة قبل أن تصبح النهضة الأدبية معبرة عن حياتنا القومية ولكني موقن بأنه سيجئ اليوم الذي يتحقق فيه ذلك وتصير النفسية والعقلية السوريتان الغنيتان بمواهبهما الطبيعية معينين ينهل منهما الأدباء وأهل الفن والعلماء والفلاسفة الذين يخرجون من صميم الشعب السوري).

وبعد صمت قصير انصرفنا، وقد رسخ حديث سليم في ذهني ولم تزده الأيام إلا رسوخاً.

أن الحديث المتقدم يوضح روح التجدد التي ملأتن حياة صديقي سليم وأرادت أن تتناول عصراً وأمة، والي أعلمه أن سليماً كان قد ابتدأ ينظم سيمفونية في انتهاء عهد الخمول وبزوغ شمس يقظة الشعب السوري.

والصدق يوجب عليَ أن أروي أن سليماً كان يعتقد أن نهضة الشعب السوري ضرورية للتمدن لأنه كان موقناً من مزايا الحرية والسلام والمحبة المتأصلة في قومه وهو لم يكن يرمي من وراء ذلك إلى غرض سياسي، بل إلى ما هو أعظم شأناً وأكثر فائدة من الغرض السياسي، أنه كان يرى الفورة السياسية أمراً تافهاً إذا لم تكن مرتكزة على نفسية متينة يثبتها في قلب كل فرد، سواء أكان رجلاً أم امرأة، شاباً أم شابة، أدب حي وفن موسيقي يوحد العواطف ويجمعها حول مطلب أعلى حتى تصبح ولها إيمان اجتماعي واحد قائم على المحبة، المحبة التي إذا وجدت في نفوس شعب بك آمالاً أوجدت في وسطه تعاوناً خالصاً وتعاطفاً جميلاً يملأ الحياة آمالاً ونشاطاًٍ، حينئذ يصبح الجهاد السياسي شيئاً قابل الإنتاج. وأما الوطنية القائمة على تقاليد رجعية رثة فهي شيء عقيم ولو أدت إلى الحرية السياسية.

هذه خلاصة نظرية سليم في تجديد حياة قومه وهي نظرية الرجل الفني الذي يريد أن يبتدئ في القلوب والإفهام، ولست أشك أنه على صواب وأن نظريته قريبة جداً من نظريته قريبة جداً من نظرية الاجتماعيين الشعوبيين الذين ينظرون في حياة الشعب الداخلية ولا يأبهون كثيراً للمجد السياسي أو يعدونه شيئاً لا يتقدم على الحياة الحرة في العقل والنفس ويرون أن حرية النفس أساس كل الحريات.

وهي من هذه الجهة لا تتضارب ونظرية السياسيين الشعوبيين. ولكن السياسيين كثيراً ما يقصرون عن فهمها، لا تتضارب النظرية المتقدمة ونظرية السياسيين الذين يعملون للحرية، ولكنها تختلف عن نظريتهم اختلافاً كبيراً، ففي حين أنها لا تنكر أهمية الحرية السياسية لا ترى أن الحياة السياسية أساس الحياة القومية أو أنها هي الوطنية الكاملة كما يدعى السياسيون.

أما وقد شرحت شيئاً من خصال سليم وأفكاره في الفن والحياة فيجب عليَ أن أذكر شيئاً من أطواره الفريدة لأقرب شخصيته من مخيلة القارئ بقدر الإمكان، ولاشك عندي في أن أطواره نتيجة طبيعية لأخلاقه وعواطفه القوية وإحساسه الشديد، فهو إذا تأثر لشيء كان تأثره شديداً عميقاً، تاماً لا يكاد يبدو منه شيء في الحال ولكنه لا يلبث أن يبدو أثره بعد مدة من الزمن، لذلك كان من الصعب تتبع حالاته النفسية وفهم عواطفه ومزاجه ولا أظن أن أحداً غيري تمكن من فهمه ومعرفة كنه أمره، لأني كنت الصديق الوحيد الذي لازمه وصحبه في أكثر روحاته وغدواته ووقف على الحوادث التي كانت تنطبع في ذهنه على حاله فكان إذا نظر إليَ تبسَّم الفاهم الخبير، ولكنه مع ذلك كله لم يكن يحدثني في حادثة واحدة قط ولا أنا حاولت استطلاع رأيه وسبر غور عواطفه بل قليلاً ما كنا نتبادل النظر في مجرى الحوادث، كأن الواحد منا لم يكن يريد أن يظهر للآخر شعوراً يشابه شعوره!

مع كل ذلك ومع عظم المودة التي كانت بيننا كان سليم يخفي في نفسه حباً قوياً لفتاة كنت لا أعرفها لذلك الحين، ولكن الحظ أتاح لي التعرف إليها فيما بعد فإذا بي أرى آنسة ذات نفس جمة اللطف وأخلاق وافرة، وكانت حين تعرفت ليها مكتئبة اكتئاباً داخلياً عميقا، فكانت كآبتها ستاراً يحجب نفسيتها وأطوارها.

لم يطلعني سليم على أمر حبه ولكني كنت أشعر أن قوة خفية كانت تغزي عواطفه وتوحي إليه أنغامه الموسيقية، ومع كل التكتم الذي أحاط نفسه به فإن الناس ما لبثوا أن شرعوا يتهامسون بشأنه، ولقد دخلت عليه ذات يوم في غرفته فوجدته طافحاً جذلاً وحبوراً، فابتدرني بقوله:

(أظن أني قد قاربت أسعد أوقاتي وأعظمها شأناً في حياتي الخاصة وحياتي العملية العامة، تعال يا أ. اسمع هذا النغم الذي أوحاه إليَّ شعوري، إنه عبارة عن قطعة صغيرة بسيطة).

وجلس إلى البيانو وجعل يوقع قطعة لم تستغرق أكثر من عشر دقائق، فسمعت أنغاماً لطيفة تضاهي أرق الأنغام التي سمعتها في حياتي ووجدت فيها شعوراً جديداً لم أجد في غيرها من الأنغام ما يفوقه قوة وجمالاً.

فهنأت نفسي بهذا الصديق الذي جاء ليوجد لنا محلاً رفيعاً في عالم الموسيقى وأيقنت أن مجهوداته في هذا السبيل غير ذاهبة عبثاً.

فلما انتهى التفت إليَ وقال: (كيف رأيت)؟

قلت: إني اهنئك من صميم قلبي فإنك قد أجدت النظم والنثر والشعر والأدب.

وفيما نحن كذلك إذا بالباب يطرق ويدخل السيد ك. فسلم وقال: (جئت أدعو السيد سليماً إلى مائدة شاي ولكن ما دمت أنت أيضاً يا سيد أ. هنا فاسمح لي أن أدعوك إلى مشاركتنا فقبلنا الدعوة وخرجنا معاً.

http://m3rouf.mountada.net

الرجوع الى أعلى الصفحة  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى