m3rouf alkhoder
أهلاً بكم في المنتدى الخاص بمعروف الخضر يمكنكم تصفح الموقع ولوضع المشاركات يرجى التسجيل

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

m3rouf alkhoder
أهلاً بكم في المنتدى الخاص بمعروف الخضر يمكنكم تصفح الموقع ولوضع المشاركات يرجى التسجيل
m3rouf alkhoder
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
m3rouf alkhoder

منتدى شعري ثقافي

designer : yaser marouf email:y.a.s.e.r.94@hotmail.com

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

رحلة القصيدة العربية القديمة ...................داود سلمان الشويلي

اذهب الى الأسفل  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

Admin


Admin

[b][color=green][/colorداود سلمان الشويلي‏
رحلة القصيدة العربية القديمة
دراسة في معاناة كتابة الشعر
القسم/ 1
داود سلمان الشويلي

(( وانما الشعر عقل المرء يعرضه
على الانام فأن كيساً وان حمقا
وان اشعر بيتٍ انت قــــــــــــــائله
بيتٌ يـــقال اذا أنشدته صــــَدَقا ))
حسان بن ثابت
*** ***
وقال بعضهم :
الشعر مــا قومت ربع صدوره و شددت بالتهذيب اس مــــــــتونه و رأيت بالاطـناب شعب صـــدوعــه و فتحت بالايــــجاز عـــــــــور عـيونه
و جمعت بيــن قريبه و بعيــده و جمعت بين محمه و معينه و اذا مدحت به جوادا ماجدا و قضيته بالشكر حق ديونه اصفيته بتفتش و رضــيته و خصصته بحظيره و ثمينه فيكون جزلا في مساق صنوفه و يكون سهلا في اتفاق فنونه و اذا بكيت به الديار و اهلها اجريت للمحزون ماء شؤونه و اذا اردت كناية عــن ريبـة باينت بين ظهوره وبطونه فجعلت سامعه يشوب شــــــــــكوكه بثبوتـــــــــه و ظــــــــــــــنونه بيقينه (1 )

1 – مقدمة :
من المعروف ، ان الشعر في ايامنا ، لا يقال او ينشد ارتجالاً – الا ما ندر - ، وانما يكتب على الورق ، الا ان القصيدة تحتاج الى اعادة النظر فيها ، مرة واخرى ، واجراء التعديلات عليها من خلال الحذف والاضافة ، وتغيير او تبديل عناصر بعض صورها ، والكثير من الفاظها ، حتى يجد الشاعر قصيدته – حسب ظنه – في احسن صورة لها ، عندها يخرجها الى الناس ، مكتوبة او منشدة ، مما جعل كتابة الشعر ، عملاً معقداً ، يحتاج قائله ، فضلاً عن الموهبة ، الدربة والمهارة . وهذه العملية ، عدها احد الباحثين المعاصرين : (( مرحلة واعية للقصيدة ، ينقد فيها الشاعر نفسه من كل النواحي ، انها مرحلة مهمة للشاعر والقصيدة معاً )) . (2 )
وقد تنبه الشعراء العرب القدامى الى هذا الامر ، فنجد الحطيئة قد صرخ ملء فيه بهذه الحقيقة قائلا ً : (3)
فالشعر صعب وطويل سلمه اذا ارتـقى فـيه الذي لا يعـلـمه
زلت به الى الحضيض قدمه والشعر لا يسطيعه من يظلمه
يريد ان يعربه فيعجمه
ما جعل من انشاء القصيدة ، ومن ثم الشعر ، صنعة دفعت بالكثير من نقاد الشعر العربي القدامى الى القول ، بأنـه : (( صناعة وثقافة يعرضها اهل العلم كسائر اصناف العلم والصناعات ، منها ما تثقفه العين ، ومنها ما تثقفه اليد ، ومنها ما يثقفه اللسان )) . (4 )
وقد انتبه الدارسون والنقاد الى هذه العملية ، وقاموا بدراسات ذات طابع نفسي ، لمعرفة الدوافع والاسباب لعملية الابداع الادبي ، قبل واثناء كتابة القصيدة ، وما يرافق ذلك من تعديلات اثناء اعادة القراءة والفحص والتمحيص . (5)
وتنبه الشعراء الى ان كتابة القصيدة تحتاج الى جهد عقلي وفكري ونفسي لا طائل لعامة الناس به ، فضلاً عن الوقت الطويل في كتابة البعض منها وما يرافق ذلك من تعديلات .
وهذا ما دفع الشاعر البحتري الى ان يقول : (6)
والشعر ظهر طريق انت راكبه فمنه منشعب او غـــــــير منشعب
وربما ضم بين الركب منهجه والصق الطنب العالي على الطنب
اما نقادنا القدامى ، فقد درسوا هذه العملية عندما وجدوا ان بعض الشعراء يجرون على قصائدهم بعض التعديلات ، كالحذف والاضافة وتبديل في الالفاظ ، او المعاني ، قبل اعلان تلك القصائد او انشادها ، ووجدوا كذلك ، ان البعض الآخر من الشعراء اما ان يرتجلوا الشعر مباشرة ، او انهم يعلنون ما كتبوه دون ادنى تغيير . وقد اطلق النقاد على العملية التي يقوم بها هذا النفر من الشعراء بـ (( التثقيف )) ( 7 ) او التهذيب ، او التنقيح ، مما يجعل القصيدة حبيسة ادراج الشاعر لفترة زمنية قد تصل الى العام الواحد في اغلب الاحيان ، واسموا هذه القصائد بـ (( الحوليات )) . ويُذكر ان صانع ديوان الشريف الرضي ، ابا حكيم الخبري ( المتوفي سنة 476 هـ ) : (( قد افاد القراء فائدة جليلة حقاً حين تعقب مسودات الرضي واستخرج منها الابيات التي كان قيدها فيها ، لأنه بذلك دلنا على طريقته في انشاء القصيدة ، ومن راجع تلك الابيات وجد ان الشريف كان مولعاً بشيئين :
الاول : تقرير المطلع قبل كل شيء والاحتفاظ به ثم اضافة الاجزاء الاخرى من القصيدة اليه. فكثير من الابيات التي جمعها الخبري مطالع مصرعة .
الثاني : صوغ ابيات تحمل معاني يهتدي اليها او يؤثرها ثم يدرجها في القصيدة حيث يجد لها مكاناً ملائماً ... وفي هذا النوع الثاني نلمح الابتكار في الصورة )) . (Cool
ان عملية التثقيف والتنقيح والتشذيب ، قـد اخذت من نقادنا القدامى الكثير من الجهد ، فأمتلأت كتبهم بدراستها ، فقال عنها الجاحظ : (( ومن شعراء العرب من كان يدع القصيدة تمكث عنده حولاً كريتاً ، وزمناً طويلاً ، يردد فيها نظره ، ويجيل فيها عقله ، زماماً على رأيه ، ورأيه عِياراً على شعره ، اشفاقاً على ادبه واحرازاً لما خوله الله تعالى من نعمته ، وكانوا يسمون تلك القصائد : الحوليات ، والمقلدات ، والمنقحات ، و المحكمات ، ليصير قائلها فحلاً خنذيذاً وشاعراً مغلقاً )) . (9 )
ويقول الشاعر الحطيئة عن هـــــذا النوع من القصائد : (( خير الشعر الحولي المنقح )) . (10 )
فيما يقول الشاعر ابن ميادة : (11)
فإن اهلك فقد ابقيت بعدي قـــــوافيَ تعجب المـتمثلينا
لذيذات المطالع محكمات لو ان الشعر يُلبس لإرتدينا
ويجد ابو هلال العسكري ، بعد ان يقدم نصحه الى الشعراء المبتدئين ، ان الشعراء الحذاق الذين سبقوهم ، قد فعلوا ذلك ، اذ : (( كان هذا دأب جماعة من حذاق الشعراء من المحدثين والقدماء منهم زهير ، كان يعمل القصيدة في ستة اشهر ويهذبها في ستة اشهر ثم يظهرها فتسمى الحوليات لذلك ، وقال بعضهم : خير الشعرالحولي الــــــــمنقح )) . (12 )
ويتابع العسكري اعلانه هذا ، مدرجاً امثلة مصداقاً لقوله ، فيذكر اسماء الشعراء الذين يقومون بذلك ، فيقول : (( وكان الحطيئة يعمل القصيدة في ستة اشهر وينظر فيها ثلاثة اشهر ثم يبرزها .
وكان ابو نواس يعمل القصيدة ويتركها ليلة ثم ينظر فيها فيلقي اكثرها ويقتصر على العيون منها فلهذا قصر اكثر قصائده .
وكان البحتري يلقي من كل قصيدة يعملها جميع ما يرتاب بـــــــه فخرج شعره مهذباً )).(13)
اما الشعراء الذين لا يفعلون ذلك ، فمنهم كما يذكر العسكري ابا تمام الذي : (( كان يرضى بأول خاطر فنعي عليه عيب كثير )) . (14 )
الا ان ناقداً حديثاً ، يقول عكس ذلك عن ابي تمام ، فيذكر د . مصطفى الشكعة ، ان ابا تمام : ((( اول شاعر – فيما نعلم – يسهر في قول الشعر الذي يموج بين خواطره وتتدافع قوافيه نافرة متزاحمة حتى ظن انها سوف تقتتل بين يديه )) (15) وقد اعتمد الشكعة في حكمه هذا على بيت الشاعر الذي يقول فيه :
تغايرَ الشعرُ فيهِ إذ سهرت لهُ حتى ظننت قوافيه ستقتتل
مع العلم ان لأبي تمام ابياتاً كثيرة تصور معاناته في كتابة القصيدة ، وما كان يجريه عليها من تثقيف وتنقيح ، سنذكرها لاحقاً .
ويؤكد الجاحظ مرة اخرى على هذه العملية ، اذ يشبه عمل الشاعر كعمل الصائغ ، فيقول : (( وكانوا مع ذلك اذا احتاجوا الى الرأي في معاظم التدبير ومهمات الامور ، ميثوه في صدورهم ، وقيدوه على انفسهم ، فأذا قوه الثقاف وادخل الكير ، وقام على الخلاص ، ابرزوه محككاً منقحاً ، ومصفى من الادناس مهذباً )) . ( 16)
ومن طريف ما يذكر عن اسباب تثقيف وتنقيح الشعر ، والسهر على تجويده ، ما ذكره ناقد معاصر ، وهو يتحدث عن الشاعر مروان بن ابي حفصة ، وما كان يقوم به من تثقيف لشعره ، وخاصة قصائد المديح ، فيقول : (( وقد يكون بخله وحرصه على المال هما السبب الرئيسي في انه لم يكن يذيع القصيدة بمجرد الانتهاء من انشائها وانما كان على حد قوله يقولها في اربعة اشهر وينتحلها في اربعة اشهر ويعرضها في اربعة اشهر )) . (17)
وقد تنبه الشاعر بكر بن النطاح الى مسألة مهمة ، هي العلاقة بين الشاعر والاخر ، وهذا الآخر اما ان يكون ممدوحاً ، وهو الاعم ، او متغزلاً به ، او موصوفا : (18)
ارانا معشر الشعراء قوماً بألــسننا تنعمت القـلوب
اذا انبعثت قرائــــحنا اتينا بألفاظ تُشَقُّ لها الجيوبُ
فضلاً عن ذلك ، فأن الشعراء انفسهم كانوا يقايضون شعرهم بالمال ، ويذكرون ذلك في قصائدهم .
فالبحتري ، الشاعر القدير ، يصف نفسه بالتاجر الذي يجد ان قصائده التي هي ( ثمينات المكارم والمجد ) قد كسد سوقهن على الرغم من ان ( داود ) لو سمعهن ، لتغنى بهن : (19)
ايذهب هذا الدهر لم ير موضعي ولم يدر ما مقدار حلي ولا عقدي
ويكسد مثلي وهو تاجر ســــؤدد يبيع ثمينات المكارم والـــــــحمد
سوائر شعر جامع بدد الــــــعلى تعلقن من قبلي واتعبن من بعدي
يقدر فــــــــيها صانع مــــــتعمل لاحكامها تقدير داود في الــــسرد
ويطالب البحتري في قصيدة اخرى ممدوحه الى ان يحسن بشعره ، فيقول : (20)
أحسن ابا حسن بالشعر اذ جعلت عليك انجمه بالـــــمدح تنتثر
فقد اتتك الـــــــــقوافي غب فائدة كما تَفَتّحَ غِبَّ الوابل الزهــر
ويطالب في قصيدة ثالثة ممدوحه ان يكون منصفاً معه في الهبة ، فيقول : (21)
تالله يسهر في مديحك ليــــــلة متململاً وتنام دون ثــــوابه
يقظان ينتحل الكلام كــــــــأنه جيش لديه يريد ان يلقى به
فأتى به كالسيف رقرقَ صيقل ما بين قائم سنخه وذبـــابه
اما الشاعر مهيار الديلمي ، فيطالب ممدوحه بأن يراعي شاعريته في هذه القصيدة التي يتنافس الملوك للاستماع اليها ، وان يمنحه هبة تعادل هذه الشاعرية ، فيقول : (22 )
فأسمع اقــــرّطك شنوفاً دُرّها لــــــــــــــــغير أذانكم لا يثقبُ
مِن المصوغات التي تعنست خلفَ الخدور وهي بكر تُخطب
تنافس المـــلوك فـي مهورها واقــترعوا في حبها واحتربوا
عندهم الرغـــــــبة والودُ لها وعــــــــــندها المَلالُ والتَجنب
وزادها نزاهــــــــــــةً وورعاً مني ابٌ عــــــلى البناتِ حَدِب
وقد ندم الشاعر حُميد بن ثور ، وهو في جنات الخلود ، كما يذكر المعري في( رسالة الغفران ) (23) على ما بذله من جهد في سبيل كتابة قصيدة مقبولة من قبل مادحه ، فيقول : (( ...ولقد كان الرجل منا يعمل فكره السنة او الاشهر في الرجل قد اتاه الله الشرف والمال ، فربما رجع بالخيبة ، وان اعطى فعطاء زهيد ، ولكن النظم فضيلة العرب )) .
ويجد باحث معاصر ، ان من اسباب وجود اكثر من رواية واحدة لبعض ابيات قصيدة شاعر ما ، هو هذه العملية ، فيقول : (( واذا كان التنقيح هو محاولة تحسين لنوع الشعر ، فأنه في العصر الاموي يراعى فيه ذوق السامع )) . (24)
والنقاد يصنفون هذه العملية الى صنفين :
الاول : يقع على الالفاظ .
والثاني : يقع على المعاني .
وتنقل لنا كتب نقادنا القدامى امثلة على ذلك ، فيذكر ابن الاثير حكاية تطيّر عبد الملك بن مروان من المعنى الذي فهمه من قصيدة الاخطل التي يقول في مطلعها :
خف القطين ، فراحوا منك ، او بكروا وازعجتهم نوى، في صرفنا غيرُ
فقال له : لا ، بل منك . (( فغيرها ذو الرمة وقال : خف القطين فراحوا اليوم او بكروا )) (25)
فيما صحح صاحب التنبيهات (( رواية بيت النابغة الجعدي :
تضيء كمثل سراج الذُبال لم يجعل الله فيه نحاسا
أي دخان . وانما الرواية : كمثل سراج السليط وهو دهن الخل الذي يقال له الشيرج ، ولا وجه للذبال ، لان الذبال جمع ذبالة وهي الفتيلة وفي كل سراج فتيلة )) . (26)
ويذكر الجرجاني في وساطته عن اختيار ابي تمام للمعاني ، ان : (( من جنايات هذا الاختيار وجار على عادته يختلجه الطبع الحضري ، فيعدل به متسهلاً ، ويرمي بالبيت الخنث ، فأذا انشد في خلال القصيدة ، وُجد قلقاً بينها نافراً عنها ، واذا اضيف الى ما وراءه وامامه تضاعفت سهولته ، فصارت ركاكة ...)) . (27)
وكان مما يزعج الشعراء انفسهم ، الرواة غير المخولين برواية شعرهم ، اذ ان الكثير من هؤلاء قد اساؤا الى الشعر ، فغيروا فيه وابدلوا بعض الفاظه ، واخرجوا معانيه مما كانت تهدف اليه ، لذا نجد الشاعر مروان بن ابي حفصة ، ينكر على هؤلاء فعلهم المشين ، فيقول : ( 28 )
زَواملُ للاشعار لا عـِلمَ عــندهُم بجَيّدِها إلا كعلمِ الاباعـــــــــــر
لعمرُك َ مايدري البعير اذا غدا بأوساقهِ اوراح ما في الغرائرِ
*** ***
2 – وصايا النقاد العرب القدامى للشعراء المبتدئين :
كان لنقادنا القدامى دور كبير في دفع الشعراء الى الاعتناء بشعرهم وتجويده من خلال تقديم النصح لهم وضرب الامثلة من الشعراء الفحول الذين اجادوا في كتابة الشعر ليخرج بالصورة التي وضعوا لها اوصافاً شتى ، من مثل : براعة في النسج ، والصنعة الخفية ، والانسجام بين اللفظ والمعنى ، او سلامة الالفاظ وجودة المعاني ، وسلامة الصدور والاعجاز ، وتناسق الكلام ، ورقة الاسلوب ، ، وسماحة اللفظ ، وصحة المباني ، ودفء العاطفة ، وان يكون من السهل الممتنع ، وذو ديباجة حسنة ، ومستوفٍ للمعاني .
فهذا الناقد العسكري يوصي في كتابه ( الصناعتين ) الشعراء المبتدئين بأجراء عملية التثقيف والتهذيب لقصائدهم ، فيقول : (( فإذا عملت القصيدة فهذبها ونقحها بإلقاء ما غث من ابياتها ورث ورذل والاقتصار على ما حسن وفخم بإبدال حرف منها بآخر اجود منه حتى تستوي اجزاؤها وتتضارع هواديها واعجازها )) . (29)
ويتخذ صاحب كتاب العمدة ، من زهير بن ابي سلمى مثلاً يحتذى بالتثقيف والتنقيح ، يقدمه للشعراء المبتدئين ، فيقول : (( ... حتى صنع زهير الحوليات على وجه التنقيح و التثقيف يصنع القصيدة ، ثم يكرر نظره فيها خوفاً من التعقب بعد ان يكون قد فرغ من عملها في ساعة او ليلة ، وربما رصد اوقات نشاطه فتباطأ عمله لذلك ، والعرب لا تنظر في اعطاف شعرها بأن تجنس او تطابق او تقابل ، فتترك لفظة للفظة او معنى لمعنى كما يفعل المحدثون ، ولكن نظرها في فصاحة الكلام وجزالته وبسط المعنى وابرازه ، واتقان بنية الشعر ، واحكام عقدة القوافي ، وتلاحم الكلام بعضه ببعض حتى عدوا من فضل صنعة الحطيئة حسن نسقه الكلام بعضه على بعض )) . (30 )
وذكر ابن جني في الخصائص : (( ... انه ليس جميع الشعر القديم مرتجلاً ، بل قد كان يعرض لهم فيه من الصبر عليه ، والملاحظة له ، والتلوّم على رياضته ، واحكام صنعته نحوٌ مما يعرض لكثير من المولدين ، الا ترى الى ما يروى عن زهير : من انه عمل سبع قصائد في سبع سنين ، فكانت تسمى حوليات زهير ، لأنه كان يحوك القصيدة في سنة )) . (31)
لهذا نجد ان النقاد القدامى قد لقبوا زهيراً والحطيئة بعبيد الشعر ، فقال الاصمعي : (( زهير والحطيئة واشباههما ، عبيد الشعر ، لانهم نقحوه ولم يذهبوا فيه مذهب المطبوعين وكان الحطيئة يقول : خير الشعر الحولي المنقح الممحك ، وكان زهير يسمي كبرى قصائده الحوليات )) . (32) . وهذا ما اكده الاصمعي كذلك ، كما يذكر الجاحظ ، ويتابع قائلاً : (( لولا ان الشعر كان استعبدهم واستفرغ مجهودهم حتى ادخلهم في باب التكلف واصحاب الصنعة ، ومن يلتمس قهر الكلام ، واغتصاب الالفاظ ، لذهبوا مذهب المطبوعين ، الذين تأتيهم المعاني سهواً ورهواً ، وتنثال عليهم الالفاظ انثيالاً ، وانما الشعر المحمود كشعر النابغة الجعدي ورؤبة )) .( 33 )
اذن ، فإن مصطلح عبيد الشعر ، يطلق على الشعراء الذين كدوا في تثقيف شعرهم ، وجودوا فيه ، ووقفوا عند كل بيت منه ، حتى تخرج القصيدة بالجودة المطلوبة .
اما بشر بن المعتمر ، فإنه يوصي الشعراء المبتدئين بوصايا لا تختلف عما اوصى به العسكري ، الا انه يقيد الشاعر بأوقات وازمان معينة ، فيقول : (( فإن ابتليت بان تتكلف القول ، وتتعاطى الصنعة ، ولم تسمح لك الطباع في اول وهلة ، وتعاصى عليك بعد اجالة الفكرة ، فلا تعجل ولا تضجر ، ودعه بياض يومك وسواد ليلتك ، وعاوده عند نشاطك وفراغ بالك ، فانك لا تعدم الاجابة والمواتاة ، ان كانت هناك طبيعة ، او جريت من الصناعة على عرق )) . (34 )
ويتابع ابن المعتمر ، فيوصي من لم تكن عنده القدرة على فعل ذلك ، أي مجاهدة كتابة الشعر ، عليه ترك قوله ، والبحث عن عمل آخر ، فيقول : (( فأن تمنع عليك بعد ذلك من غير حادث شغل عرض ، ومن غير طول اهمال ، فالمنزلة الثالثة ان تتحول عن هذه الصناعة الى اشهى الصناعات اليك ، واخفها عليك ، فأنك لم تشتهه ولم تنازع اليه ، الا وبينكما نسب ، والشيء لا يحن الا الى ما يشاكله ، وان كانت المشاكلة قد تكون في طبقات ، لأن النفوس لا تجود بمكنونها مع الرغبة ، ولا تسمح بمخزونها مع الرهبة ، كما تجود به مع الشهوة والمحبة )) . (35)
قلنا ، لم تكن عملية كتابة الشعر ، بالعملية السهلة اليسيرة ، بل تكتنفها الصعوبات ، كصعوبات جمع اشتات الفكر ، واللغة ، والقافية ...الخ ، لهذا نجد الناقد العربي ابن طباطبا في كتابه ( عيار الشعر ) يقدم مجموعة من التوجيهات لمن يريد ان يركب هذا الطريق الصعب ، فيقول : (( فاذا اراد الشاعر بناء قصيدة مخض المعنى الذي يريد بناء الشعر عليه في فكره نثراً ، واعد له ما يلبسه اياه من الالفاظ التي تطابقه والقوافي التي توافقه والوزن الذي يسلس له القول عليه ، فاذا اتفق له بيت يشاكل المعنى الذي يرومه اثبته ، واعمل فكره في شغل القوافي بما تقتضيه من المعاني على غير تنسيق للشعر وترتيب لفنون القول فيه ، بل يعلق كل بيت يتفق له نظمه ، على تفاوت ما بينه وبين ما قبله ، فاذا كملت له المعاني وكثرت الابيات وفّق بينها بابيات تكون نظاماً لها ومسلكاً جامعاً لما تشتت منها ، ثم يتأمل ما قد اداه اليه طبعه ونتجته فكرته ، فيستقصى انتقاده ويرم ما وهى منه ، ويبدل بكل لفظة مستكرهة لفظة سهلة نقية ، وان اتفقت له قافية قد شغلها في معنى من المعاني ، واتفق له معنى آخر مضاد للمعنى الاول وكانت تلك القافية اوقع في المعنى الثاني منها في المعنى الاول نقلها الى المختار الذي هو احسن وابطل ذلك او نقص بعضه ، وطلب لمعناه ما فيه تشاكله ، ويكون كالنساج الحاذق ... وكالنقاش الرقيق .. وكناظم الجوهر ... وكذلك الشاعر )) . (36 )
ان الوصايا التي قدمها ابن طباطبا في اعلاه ، يمكن عدها مجموعة من الخطوات التي على الشعراء اتباعها لانجاز كتابة قصيدة محكمة لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها ، لهذا نرى ان نقادنا القدامى قد اولوا هذا الامر اهتماماً كبيراً ، لأن عملية الابداع شاقة ومتعبة ، مما دعى الشاعر الفرزدق الى ان ينعتها بأشد من عملية قلع الضرس ، فيقول : (( انا اشعر تميم عند تميم ، وربما اتت علي ّ ساعة ونزع ضرس اسهل عليّ من قول بيت )) . (37)
وكان لابن خلدون دور في تقديم التوصيات لمن يرغب ان يكون شاعراً ، فيقول : (( ... فان استصعب عليه بعد هذا كله فليتركه الى وقت آخر ولا يُكرِه نفسه عليه وليكن بناء البيت على القافية من اول صوغه ونسجه بعضها ويبني الكلام عليها الى آخره لانه ان غفل عن بناء البيت على القافية صَعُب عليه وضعها في محلها فربما تجيء نافرة قلقة واذا سمح الخاطر بالبيت ولم يناسب الذي عنده فليتركه الى موضعه الاليق به فأن كل بيت مستقل بنفسه ولم تبق الا المناسبة فليتخير فيها كما يشاء وليراجع شعره بعد الخلاص منه بالتنقيح والنقد ولا يضن به على الترك اذا لم يبلغ الاجادة فان الانسان مفتون بشعره اذ هو نبات فكره واختراع قريحته ولا يستعمل فيه من الكلام الا الافصح من التراكيب والخالص من الضرورات اللسانية فليهجرها فأنها تنزل بالكلام عن طبقة البلاغة وقد حظر ائمة اللسان المولد من ارتكاب الضرورة اذ هو في سعة منها بالعدول عنها الى الطريقة المثلى من الملكة ويجتنب ايضاً المعقد من التراكيب جهده وانما يقصد منها ما كانت معانيه تسابق الفاظه الى الفهم وكذلك كثرة المعاني في البيت الواحد فان فيه نوعَ تعقيدٍ على الفهم وانما كان حشواً واستعمل الذهن بالغموض عليها فمنع الذوق عن استيفاء مدركهِ من البلاغة ولا يكون الشعر سهلاً الا اذا كانت معانيه تسابق الفاظه الى الذهن ولهذا كان شيوخنا رحمهم الله يعيبون شعر ابي بكر بن خفاجة شاعر الاندلس لكثرة معانيه وازدحامها في البيت الواحد كما كانوا يعيبون شعر المتنبي والمعري بعدم النسج على الاساليب العربية كما مر فكان شعرهما كلاماً منظوماً نازلاً عن طبقة الشعر والحاكم بذلك هو الذوق وليتجنب الشاعر ايضاً الحوشي من الالفاظ والمقصّر وكذلك السوقي المبتذل بالتداول بالاستعمال فإنه ينزل بالكلام عن طبقة البلاغة ايضاً فيصير مبتذلاً ويقرب من عدم الافادة كقولهم النار حارة والسماء فوقنا وبمقدار ما يقرب من طبقة عدم الافادة يبعد عن رتبة البلاغة اذ هما طرفان ولهذا كان الشعر في الربانيات والنبويات قليل الاجادة في الغالب ولا يحذق فيه الا الفحول وفي القليل على العشر لان معانيها متداولة بين الجمهور فتصير مبتذلة لذلك واذا تعذر الشعر بعد هذا كله فليراوضه ويعاوده فان القريحة مثل الضرع يدر بالامتراء ويجف بالترك والاهمال وبالجملة فهذه الصناعة وتعلمُها مستوفي في كتاب العمدة لابـــــن رشيق )) . (38)
ومن الشعراء الذين حددوا لهم منهجاً في كتابة الشعر ، الشاعر مهيار الديلمي ، الذي رسمه في قصيدة له ، يقول فيها : (39)

ويذكر الاصفهاني ، ان ابا العتاهية ، سأل الشاعر محمد بن مناذر : (( كيف انت في الشعر قال اقول في الليلة اذا سنح القول لي واتسعت القوافي عشرة ابيات الى خمسة عشر فقال له ابو العتاهية لكني لو شئت ان اقول مثل قولك "الا يا عُتبة الساعة اموت الساعة َ الساعةَ " قلت ولكنني لا اعود نفسي مثل هذا الكلام الساقط ولا اسمح لها به فخجل ابو العتاهية وقام يجر رجله )) . ( 40 )
وينعي كعب بن زهير الشعر بعد موته ، لأنه كان – كوالده – من عبيد الشعر ، فيقول : (41)
فمن للقوافي شأنها مَن يحوكــها اذا ما توى كعب وفوَّز جــرول
يقول فلا يعيا بشيء يقولـــــــــه ومن قائليها مَن يسيء ويعمل
يقوِّمها حتى تـــــــــقومَ مــتونها فيقصر عــــــــنها كل ما يتمثل
كفيتك لا تلقي من الناس شاعراً تَنَخَّلَ مــــــــــنها مثل ما اتنخَّل
اما التنوخي ، فيصف قصيدة اعجبته ، فيقول : ( 42 )
وقصيدة الفـــــــــــاظلـها في النظم كـــالدر النثير
جاءت الـــــــيّ كأنها الـ توفيق فــــي كل الامور
بارق من الشكوى واحـ سن من حياة في سـرور
لو قابلت اعـــمى لاضـ حى وهو ذو طرف بصير
فكانها امـــــــــــل تحقـ ق بعد ياس في الصــدور
او كالفقيد اذا اتـــــــت بقدومه بشرى الــــبشير
او كالــــــــمنام لساهر او كالامـــــــان لمستجير
او كالشفاء لـــــمدنف او كالغنى عـــــند الفقير
وكانما هي من وصــا ل او شـــــباب او نشور
لفظ كأسر معـــــــــاند او مثل اطلاق الاســـــير
وكانه اذ لاح مــــــــن فوق المهارق والسـطور
ورد الخدود اذا انتقـلـ ت به على در الثــــغـور
غرر غدت وكــــــانها من طلعة الظبي الــغرير
من كل معنى كالسـلا مة او كتيسير العــــسير
كتبت بحبر كـــالنوى او كفر نعمى من كـــفور
في مثل ايام الــــــتوا صل او كاعتاب الدهــور
اهديتها يا خير مــــن يختار في كرم وخــــــير
وذكر ابن طباطبا في ( عيار الشعر ) المراحل التي تمر بها القصيدة قبل ان تذاع ، وهي : ( 43)
1- مرحلة التفكير في نظمها .
2- مرحلة الانتاج .
3- مرحلة الترتيب والتنسيق .
4- مرحلة التثقيف والتهذيب والتنقيح ، وهي المرحلة التي تعنينا في هذه الدراسة .
*** ***
3 – الشاعر والقصيدة :
آ – الشعراء وتثقيف شعرهم :
اذا كان النقاد القدامى قد اولوا اهتماماً كبيراً لمعاناة بعض الشعراء في كتابة قصائدهم ، لما يقومون به من تثقيف وتنقيح لها والقاء (( ما غث من ابياتها ورث ورذل والاقتصاد على ما حسن وفخم بإبدال حرف منها بآخر اجود منه حتى تستوي اجزاؤها وتتضارع هواديها واعجازها )) على حد قول العسكري ( 44 ) فأننا نجدهم قد صنفوا الشعراء تبعاً لهذه العملية الى صنفين ، هما : الشاعر المتكلف ، والشاعر المطبوع .
ويعرف ابن قتيبة ، الشاعر المتكلف ، بانه ، هو : (( الذي قوم شعره بالثقاف ونقحه بطول التفتيش واعاد فيه النظر بعد النظر كزهير والحطيئة )) . (45)
اما الشاعر المطبوع ، فهو كما يقول ابن قتيبة : (( من سمع بالشعر واقتدر على القوافي واراك في صدر بيته عجزه ومن فاتحته قافيته وتبينت على شعره رونق الطبع ووشي الغريزة واذا امتحن لم يتلعثم ولم يتزحزح )) .(46) وعرفهم الجاحظ بقوله : (( الذين تأتيهم المعاني سهواً رهواً ، وتنثال عليهم الالفاظ انثيالاً )) (47) وكان رؤبة الشاعر خير مثال لمثل هؤلاء ، اذ كان يضع الاراجيز حسب ما يسأل عنه في اللغة .
اما ابن الاثير ، فقد اوضح الفرق بين الصنفين ، فقال : (( اما المتكلف فهو الذي يأتي بالفكرة والروية ، وذلك ان يُنضي الخاطر في طلبه ، ويبعث على تتبعه ، واقتصاص اثره ، وغير المتكلف يأتي مستريحاً من ذلك كله ، وهو ان يكون الشاعر في نظم قصيدته ، او الخطيب او الكاتب في انشاء خطبته او كتابته ، فبينا هو كذلك اذ سنح له نوع من هذه الانواع بالاتفاق لا بالسعي والطلب)) (48 )
فيما يصنف ابن رشيق الشعراء ، الى شاعر راوية ، وشاعر مطبوع ، ويفاضل بين الصنفين ، فيقول : (( فقد وجدنا الشاعر من المطبوعين يفضل اصحابه برواية الشعر ، ومعرفة الاخبار والتلمذة بمن فوقه من الشعراء ، فيقولون : فلان ، شاعر راوية ، يريدون انه اذا كان راوية عرف المقاصد وسهل مآخذ الكلام ولم يضق به المذهب واذا كان مطبوعاً لا علم له ولا راوية ضل واهتدى من حيث لا يعلم ، وربما طلب المعنى فلم يصل اليه وهو ماثل بين يديه ، لضعف آلته )) . (49 )
والشعرعنده على صنفين ، فيقول : (( ومن الشعر مطبوع ومصنوع ، فالمطبوع هو الاصل الذي وضع عليه هذا الاسم فليس متكلفاً تكلف اشعار المولدين ، ولكن وقع منه هذا النوع الذي سموه صنعة من غير قصد ولا تعمل ، لكن بطباع القوم عفواً فأستحسنوه ومالوا اليه بعض الميل بعد ان عرفوا وجه اختياره على غيره حتى صنع زهير الحوليات على وجه التنقيح والتثقيف ، يصنع القصيدة ثم يكرر نظره فيها خوفاً من التعقب من ان يكون قد فرغ من عملها في ساعة او ليلة ، وربما رصد اوقات نشاطه فتباطأ عمله لذلك ... الخ)).(50)
ويفرق المرزوقي بين الاثنين ، فيقول : (( والفرق بينهما ان الدواعي اذا قامت في النفوس ، وحركت القرائح ، اعملت القلوب ، واذا جاشت القلوب بمكنون ودائعها ، وتظاهرت مكتسبات العلوم وضرورياتها نبعت المعاني ودرّت اخلافها ، وافتقرت خفيات الخواطر الى جليات الالفاظ ، فمتى رُفِضَ التكلف والتعمل ، وخُلِّي الطبع المهذب بالرواية ، المدرّب في الدراسة لأختياره فأسترسل غير محمول عليه ولا ممنوع مما يميل اليه ، ادى من لطافة المعنى وحلاوة اللفظ ما يكون صفواً بلا كدر ، وعفواً بلا جهد ، وذلك هو الذي يسمى " المطبوع " . ومتى جعل زمام الاختيار بيد التعمل والتكلف ، عاد الطبع مستخدماً متملكاً ، واقبلت الافكار تستحمله اثقالها ، وتردده في قبول ما يؤديه اليها ، مطالبة له بالاغراب في الصنعة ، وتجاوز المألوف الى البدعة ، فجاء مؤداه واثرُ التكلف يلوح على صفحاته ، وذلك هو " المصنوع " . )) . (51)
ومن خلال عبارة ابن رشيق – اعلاه – يمكن القول ، ان صنعة زهير ، كانت تعتمد على ترك القصيدة غير معلنة لفترة زمنية ، لاعادة النظر فيها ، ولتثقيفها وتنقيحها ، وتجويدها .
اما صنعة المتأخرين من الشعراء ، فأنها عندهم تنفد وتنفذ اثناء كتابة القصيدة .
وذكر ابن جني ، امثلة للشعراء المطبوعين ، الذين كانوا يكتبون القصيدة في الآن نفسه الذي يطلب منهم قول الشعر ، كالمتنبي مثلاً ، فيقول : (( ان من المحدثين ايضاً من يسرع العمل ولا يعتاقه بُطء ، ولا يستوقف فكره ، ولا يتعتع خاطره . فمن ذلك ما حدثني به من شاهد المتنبي وقد حضر عند ابي علي الاوارحي ، وقد وصف له طرداً كان فيه واراده على وصفه ، فأخذ الكاغد والدواة واستند على جانب المجلس – وابو علي يكتب كتاباً – فسبقه المتنبي في كَتْبِه الكتاب فقطعه عليه ثم انشد :
ومنزل ليس لنا بمنزل )) .(52)
ولو تتبعنا تاريخ الشعر العربي ورواته ، لوجدنا ان اكثر الشعراء المجيدين كانوا رواة لشعراء سبقوهم ، ويمكن وضع قائمة بذلك :
- كان امرؤ القيس راوية ابي دؤاد الايادي .
- وكان زهير راوية اوس بن حجر .
- وكان الاعشى راوية المسيب بن علس . (53)
- وكان ابو ذوئيب راوية ساعدة . (54)
- وكان الحطيئة راوية زهير .
- وكان هدبة راوية الحطيئة .
- وكان جميل راوية هدبة . (55)
- وكان كثير راوية جميل . (56)
وعلى الضفة الاخرى من هذه الاخبار ، يقف الشعراء انفسهم – وهم اصحاب الكأس المعلى في تحمل تلك المعاناة – ذاكرين ذلك في قصائدهم ، اعلاناً عما كانوا يعانونه ، ودفعاً للمقابل – الممدوح مثلاً – لزيادة العطايا . فهذا ابن ابي حفصة ، يقول : (( كنت اعمل القصيدة في اربعة اشهر ، واحككها في اربعة اشهر ، واعرضها في اربعة اشهر ، ثم اخرج بها الى الناس ، فقيل لي : فهذا هو الحولي المنقح )) . (57)
وقيل عن ذي الرمة ، انه قال : (( لما قال :
بيضاء في نعج صفراء في بَرَح
اجبل حولاً لا يدري ما يقول ، الى ان مرت به صينية فضةٍ قد اشربت ذهباً ، فقال :
كأنها فضة ٌ قد مسها ذهب )) .(58)
ويحكى عن الكميت ، وقد افتتح قصيدته التي اولها :
(( الا حُييت عنا يا مدينا
ثم اقام برهة لا يدري بماذا يعجِّز على هذا الصدر ، الى ان دخل حماماً وسمع انساناً دخله ، فسلم على آخر فيه ، فأنكر ذلك عليه ، فأنتصر بعض الحاضرين له فقال : وهل بأس يقول المسلمين ، فأهتبلها الكميت فقال :
وهل بأس يقول مسلمينا )) . (59)
ويقف الشاعر سويد بن كراع ، بأبواب القوافي ، ليختار منها ما يجعل شعره اكثر جودة واحكم قولاً ، فيقول : (60)
ابيت بـــــــابواب القوافي كانما اصادي بها سربا من الوحش نزعا
اكالئها حـــــــــتى اعرس بعدما يكون سحير او بعيد فـــــــــــاهجعا
عواصي الا مـــــا جعلت امامها عصا مربد تغشى نحورا واذرعــــا
اهبت بغر الابدات فـــــــراجعت طريقا املته القصائد مــــــــــــهيعا
بعيدة شاو لا يكاد يـــــــــــردها لها طالب حـــــــــــــتى يكل ويظلعا
اذا خفت ان تروى علي رددتها وراء التراقي خشية ان تــــــــطلعا
وجشمني خوف ابن عفان ردها فثقفتها حولا حريدا ومـــــــــــربعا
اما الشاعر عدي بن الرقاع ، فقد ذكر معاناته في هذين البيتين ، مشبهاً هذه العملية ، بعملية تثقيف قناة الرمح ، فيقول : (61)
وقصيدة قد بت اجـــمع بينها حتى اقوِّم ميلها وسنادها
نَظَرَ المثقفِ فـي كعوبِ قناته حــــتى يقيمَ ثِقافُه مُنآدها
فيما ينآى ذو الرمة بشعره عن كل عيب وفساد ، فيظهر خالياً من أي اختلاف حركة ما قبل الروي "أي السناد " ، فيقول : (62)
وشعر قد ارقت ُله ٌ غريبٍ اجنبهُ المساند والمحــالا
فبتَّ اقيمهُ واقــــــــــــدُّ منهُ قـــوافي لا أعِدَّ لها مثالا
ان عملية التثقيف ، حسب مفهوم الشعراء انفسهم ، عملية صعبة جداً ، لا يقدر عليها كل الشعراء . فها هو الشاعر ابو حية النميري يقول : ان قصائده غير منتحلة ، وعلى الرغم من ذلك ، فأنه يرتاد السبل الصعبة ليأتي بما هو جدير بأن يكون شاعراً : (63)
ان القصائد قد عـــــــــلمت بأنني صنع اللسان بـهن لا اتنحل
واذا ابتدأت عروض نسج ريض جعلت تذل لمـا اريد وتسهل
حتى تطاوعني ولـــــو يرتاضها غيري لحاول صعبة لا تقبل
اما الشاعر تميمبن ابي بن مقبل ، فأنه يخاطب ممدوحه ، بأن موته – أي موت الشاعر – سيقفل قول الشعر امام ممدوحه : (64)
اذا مت عن ذكر القوافي فلن ترى لـــــها قائــلاً مثلي اطب واشعرا
واكثر بيتا ماردا ضربت لــــــــــه حــزون جبال الشعر حتى تيسرا
اغر غريبا يمسح الناس وجـــهه كما تمسح الايدي الاغر المشهرا
اما كعب بن زهير ، فيقول : (65)
فمن للقوافي شانــها من يحوكها اذا ما ثوى كعب وفـــوز جرول
يقول فــــــلا يعـــيا بشيء يقوله ومن قائليها مــن يسيء ويعمل
يقومها حـــــــــــتى تقوم متونها فيقصر عنها كــل مـــــــا يتمثل
كفيتك لا تلقى مــن الناس شاعرا تنخل منها مــــــــــثل ما اتنخل
ومنهم من يرى في كتابة الشعر حرباً ضروساً ، قال احدهم : (66 )
اعددت للحرب التي أُعنى بها قوافياً لم اعـــــــــــــــــيَ بأجتلابها
حتى اذا اذللتُ مـــــن صعابها واستوسقت لي صحتُ في اعقابها
اما امرؤ القيس ، فيقول : (67)
اذود القوافي عني ذيادا ذيـــــاد غلامٍ جـريْ جرادا
فلما كثرن وعــــــــنينه تـــخير منهن شـتى جيادا
فأعـزِلُ مرجانها جــانباً وآخُذٌ من دُرّها المستجادا
ويقوا ابو تمام : (68)
تغاير الشعر فيه اذ سهرت له حتى ظننت قوافيه ستقتتل
ويعقب شارح ديوانه ( الصولي ) بالقول : ان (( هذا من قول كثير :
اذا ما شئت في غير ابن ليلى عروضَ قصيدة بعض الشباب
ابت ان تستقل فــــــــلم يبعث كما تأتي المعلقة ُ الجـــوابي
ونازعني الى مدح ابــن ليلى قوافيها منازعة الـــــــطـِراب )) (69)
ب – الشعراء يصفون شعرهم :
وقد ذهب الكثير من الشعراء الى وصف شعرهم ( قصائد ، او ابيات ، او قوافي ) بشتى الصفات التي من شأنها ان تجعل الشاعر والسامع على السواء "وهو الممدوح غالباً " يفتخران به.
فها هو البحتري ، يصف قصائده بأنها منقوشة كنقش الدنانير ، بعد ان انتقى لها اللفظ كما ينتقى
الذهب الذي تصنع منه الدنانير ، فيقول : ( 70)
بمنقوشة نقش الدنانير ينتقى لها اللفظ مختارا كـما ينتقى الــتبر
تبيت امام الريح مـــنها طليعة وغـــــدوتها شهر وروحتها شهر
توفى ديون المنعمين ويـقتنى لهم مــن بواقي ما اعاضتهم فـخر
وفي قصيدة اخرى ، يشبهها بالانجم التي تقود انجماً بعدها، وهي تنشد امام الممدوح ، فيقول:
(71)
الست الموالي فيك نظم قصائد هي الانجم اقتادت مع الليل انجما
ثناء كان الروض منه مـــنورا ضحى وكــــان الوشي فيه مسهما
وفي قصيدة ثالثة ، يصفها بالاشراق ، وانها مزينة بالبهاء ، ولا تقال سوى لممدوحه : (72)
اليك القوافي نازعات قواصــدا يُسيّر ضاحي وشيها وينمنم
ومشرقة في النظم غراً يزيدها بــــهاءً وحسناً انها لك تنظم
وربما كان البحتري ، من الشعراء المكثرين في مدح قصائدهم ، كأبي تمام وغيره ، فها هو البحتري يصف مستمعيه بالبقر ، لأن قوة ونفاذ قوله هو الذي يخرجهم من حالتهم هذه ، كضربة السيف ، اما الذي لا يفهم شعره ، فيبقى كالبقر : (73)
اهز بالشعر اقواما ذوي وســـن في الجهل لو ضربوا بالسيف ما شعروا
علي نحت القوافي من مقاطعها ومــــــــــــــــــــا علي لهم ان تفهم البقر
ونجد الاعشى ، يفتخر بنفسه ، لأنه انشد قصيدة محكمة : (74)
وغريبة تاتي الملوك حكيمة قد قلتها ليقال من ذا قالها
اما الشاعرة الخنساء ، فأنها تصف قافيتها بحد السنان ، وهي تبقى خالدة بعد موت قائلها : (75)
وقافية مثل حد السنا ن تبقى ويذهب من قالها
اما جرير ، فأن قافيته تلتهب التهاباً ، فيقول : (76)
ستطلع من ذرى شعبى قواف على الكندي تلتهب التهابا
فيما يصف الشريف الرضي قصائده بأنها كالقنا منتصبات ، ليس فيها عيب وهي محكمة بين اللفظ والمعنى وهي خالدة : (77)
ومستهلات كصوب الـــــحيا تبقى واقوال الفــــتى تفنى
منتصبات كالقنا لا نـــــــرى عـــــيا من القــــول ولا افنا
قد حرم الناظر مـن حسنــها قائلها مـــــــــــا رزق الادنا
لا يفضل المعنى عــلى لفظه شيئا ولا اللفظ على المعنى
اما قصائده ، فأن غرتها من الكلم الجني ، فهي كالصبية التي حجولها مصنوعة ببراعة واتقان ، وهي صافية ، لانها تنبع من خاطره لتسقي الظمآن : (78)
قُدها فغرَّتها من الكلم الجــــني وحجولها من صنعةٍ ومعاني
هي نطفةٌ رقرقتٌها من خاطري بيضاء تنقعُ غــــــُلةَ الظمآن
وهي كذلك : (79)
ومحوكة كالدرع احكم سردها صنع فافصح في الزمان الاعجم
وقصائده تذكر سامعها بشعر البحتري ، وابو نواس : (80)
فجاءت غضة الاطراف بكراً تخيّرَ جيدها نــــــظم الجمان
كأن ابا عبادةَ شقَّ فــــــــاها وقبّلَ ثغرها الحَسَنُ بنُ هاني
اما قوافي جرير ، فهي : ( 81)
وعاو عوى من غـير شيء رميته بقارعة انفاذها تقطر الدمــــــا
وانـــــــــــــــــي لقوال لكل غريبة ورود اذا الساري بليل ترنــما
خروج بافـــــــــــواه الرواة كانها قرى هندواني اذا هز صمــما
غرائب الافا اذا حــــــــان وردهــا اخذن طريقا للقصائد معـلــــما
وان وصف بعض الشعراء لقصائدهم ، يصل الى حد الغلو ، فها هو مهيار الديلمي ، يصف قصيدته ، قائلاً : (82)
وسائرات بالثناء لا يـــــــرى مستعفيا مـن داب سيارهـا
لا تخلق الظلماء في بسطـتها قبضا كان ليــــلها نهارهـا
تطوي الفيافي لا خفارات لـها الا الذي تضمنه اسطارهــا
تشتاقها الارض وبعد لم تصل لانها تسبقها اخـــــــبارهــا
يخالها النادي اذا اجتازت بــه لطيمة مر بها عطـــــارهــا
تحمل آثاماً بمدح غيركـــــــم حتى تُحَط بكمُ اوزارهـــــــا
تهدي لك الاعيادُ منها طُرفــاً جواهراً تحت فمي بحارهــا
مما توحدتُ به لــــــم تُفترع لاعوانها قبلُ ولا ابكارهـــا
ودت تميمٌ وفحولٌ وائــــــــلً من قبلها لة انها اشعارهــا
الاان قوافي ابي تمام منزهة عن السرق والتكرار ، فيقول : (83)
اليك بعثت ابكار المعانــــــــي يليها سائق عجل وحــــادي
جوائر عن ذنابى القوم حيرى هوادي للجماجم والــهوادي
شداد الاسر سالمة النواحـــي من الاقواء فيها والســـــناد
يذللها بذكرك قرن فـــــــــــــكر اذا حزنت فتسلس فـي القياد
لها في الهاجس القدح المعلى وفي نظم القوافي والعــــماد
منزهة عن السرق الــــمورى مكرمة عن المعنى المــــعاد
تنصل ربها من غير جـــــــرم اليك سوى النصيحة والوداد
وقصائده عملاقة جديدة ، بحيث تبدو قصائد الاخرين ازاءها رخيصة مبتذلة .
يقول مادحاً قصائده عند مدحه لابي المغيث : (84)
هذي القوافي قد اتينك نـــزعا تتجشم التهجير والتغلـــــــــيسا
من كل شاردة تغادر بعدهـــــا حظ الرجال من القصيد خسيسا
وجديدة المعنى اذا معنى التي تشقى بها الاسماع كان لبيــسا
تلهو بعاجل حسنها وتعدهــــا علقا لاعجاز الزمان نفيـــــــسا
من دوحة الكلم التي لم تنفكك يمسي عليك رصينها محبوسـا
كالنجم ان سافرت كان مواكبا واذا حططت الرحل كان جليسا
انا بعثنا الشعر نحوك مـــفردا واذا اذنت لنا بعثنا العيســـــــا
وقصائده ، كما يقول عنها: (85)
جاءتك من نظم اللسان قـــــــلادة سمطان فيها اللؤلؤ المـــــكـنون
حذيت حذاء الحضرمية ارهــفت واجادها التخصير والتلـــــــسين
انسية وحشية كثرت بــــــــــــها حركات اهل الارض وهي سكون
ينبوعها خضل وحلي قريــضــها حلي الهدي ونسجها موضـــون
اما المعاني فهي ابــــــــــكار اذا نصت ولكن القوافي عـــــــــــون
أحذاكها صَنَعُ الضمير يَـــــــمدُّه جَفراذا نضبَ الكلامُ معـــــــــــين
ويسيء بالاحسان ظناً لا كـــمن هو بأبنه وبشعره مفــــــــــــتون
وفي قصيدة عتاب لأبي سعيد ، يقول : (86 )
فأين قصائدٌ لي فيكَ تأبـــــــى وتأنفُ أهـــــــــان وان اذلا
من السحر الحلال لمــــجتنيه ولـــم ار قبلها سحرا حلالا
وعندما يمدح خالد بن يزيد ، يصف ابياته بالجوهر المنظوم كالقلادة : (87 )
ان القوافي والمساعي لـم تــزل مثل النظام اذا اصاب فـــــــريدا
هي جوهر نثر فـــــــــــان الفته بالشعر صار قلائدا وعــــــقودا
في كل معترك وكل مقامــــــــة ياخذن منه ذمة وعـــــــــهودا
فاذا القصائد لم تكــن خفراءهـا لم ترض منها مشهدا مشهودا
من اجل ذلك كانت العرب الالى يدعون هذا سؤددا محـــــدودا
وتند عندهم العلى الا عــــــــلى جعلت لها مرر القصيد قـــيودا

وقصائده ، حسب وصفه ، كقلادة من در ومرجان في جيد فتاة شابة ناعمة ، وهي تحمل الحكمة والبلاغة : (88)
واذا اراد الله نــــــــشر فــــــــضيلة طويت اتاح لها لسان حـــــسود
لـــولا اشتعال النار فـــــيما جاورت ما كان يعرف طيب عرف الـعود
لـــولا التخوف للعواقب لــم تـــــزل للحاسد النعمى على المـــحسود
خـــذها مثقفة الـــــقوافي ربـــــــها لسوابغ النعماء غير كـــــــــنود
حذاء تملا كــــــــل اذن حكـــــــــمة وبلاغة وتدر كـل وريـــــــــــــد
كالطعنة النجـــلاء مـــــن يــد ثائـــر باخيه او كالـضربة الاخـــــــدود
كالدر والمرجـــان الـــــف نظــــــمه بالشذر في عنق الفتاة الــــــرود
كشقيقة الـــــــبرد المنمنم وشـــــيه فــــي ارض مهرة او بلاد تــزيد
يعطي بها البشرى الكريم ويحتبي بردائها فـــــي المحفل المشهود
بشرى الغني ابــــي البنات تتابعــت بشراؤه بالـــــــفارس المـــولود
كرقى الاساود والاراقــم طالـــــــما نزعت حمات ســــــخائم وحـقود
ولابن التعاويذي ، ابيات يصف فيها شعره ، يقول : (89)
اماط عني الاذى شعر بعثت به منقحا كل بيت مــنه مصنوع
شعر يعلم نظم الشعر سامـــعه فيه طباق وتجنيس وترصيع
ويقول كذلك : (90)
جاءتك حاليةً ترائبها من التـ جنيس والتطبيق والترصيع
وكذلك : (91)
شعرُ ولكن اذا احققته حكمٌ نظمٌ ولكن اذا اقومته دُرَرُ
وكذلك: (92)
فأليك رائعة المعاني جزلَةَ الـ الفاظ تُسهِلُ في عُلاكَ وتُجبِـلُ
اما المتنبي ، فأنه لا يختار الا القوافي ( العويصة ) ، لانه قادر على التمكن منها : (93)
اراكض معوصات الشعر قسرا فاقتلها وغيري في الطراد

ج – الشعراء يفتخرون بشعرهم :
اذا كان الفخر ، باب مهم من ابواب الشعر العربي القديم ، ان كان ذلك الفخر ، بالقبيلة ، اوالنسب ، او الاهل ، فأن الفخر بالشعر تأكيد على جودة القصيدة ، ومن ثم جودة الشاعر ، وعلى المستمع ( الممدوح خاصة ) ان ينتبه لذلك ، لهذا نجد ان اغلب الشعراء المجيدين يفتخرون بشعرهم امام ممدوحيهم ، وهم بأفتخارهم هذا يستجدون مواهب الممدوح .
ومن صور مدح الشعر ، هو انه شعر اصيل ، غير منتحل ، وهذا ما يريد قوله الاعشى في هذا البيت ، لان في انتحال الشعر ، عيب وعار ، خاصة في عمر كعمر الشاعر ، وقد وخط الشيب رأسه ، فيقول : (94)

فما انا ام ما انتحالي القوا في بعد المشيب كفى ذاك عارا
اما ابو الطيب المتنبي ، فأنه يخاطب ممدوحه قائلاً له : ان شعره هو الذي دفع المادحين الى مدحه ، أي كان فاتحة لهذا الباب امام الشعراء الاخرين ، الا ان صوته ، يبقى هو الصوت الاعلى بينهم ، لان تلك الاصوات هي صدى لصوته : (95)
وما الدهر الا من رواة قلائــــدي اذا قلت شعرا اصبح الدهر منـشدا
فسار به من لا يسير مشـــــــمرا وغنى به من لا يغني مـــــــــغـردا
اجزني اذا انشدت شعرا فــــأنما بشعري اتاك المادحون مـــــــرددا
ودع كل صوت غير صوتي فانني انا الصائح المحكي والاخر الصدى
ويفتخر ابن هرمة بقصائده الطوال ( العميمة ) وانه قد بهر بها الاعداء لاصابته مفاصل المعاني : (96)
وعميمة قد سقت فيها عائرا غفلا ومنها عـــــــــائر موسوم
طبقتُ مِفصلها بغير حـديدةًً فرأى الـــعدوّ غنايَ حيث اقوم
وكان (( كان المسور بن عبد الملك المخزومي يعيب شعر ابن هرمة وكان المسور هذا عالما بالشعر والنسب فقال ابن هرمة فيه :
إني امرؤ لا أصوغ الحلي تعملهُ كفايَ لكن لساني صائغٌ الكلم
إن الأديمَ الـــذي أمسيت تقرظهُ جهلا لــذو نَغَـلٍ بادٍ وذو حلمِ)) (97 )
اما الشريف الرضي ، فانه يفتخر بقصائده امام ممدوحه ، لانها قصائد جميلة ، حلوة ، كما النجوم عندما تحلي الليل وتضيئه : (98)
تجمجم بالاشعار كـــــــل قــبيلة وفي القول محفوظ عليها وضائع
وكل فتى بالشعر تجلو هــمومه ويكتب مــا تملي عــــليه المطامع
وشعري تختص القـوب بحفظه وتحظى بـه دون العيون المسـامع
واولى به من كان مـثلك حـازما يذبب عن اطــــــــــــرافه ويـقارع
ستظفر من نظمي بكــل قـصيدة كما حلت الليل النــــجوم الــطوالع
تضيء قوافيها وراء بـــــيوتها طراقا كما يتلو النصـــول القبائع
اذا هزها السمار طار لها الكرى وهزت جنوب النائمين المضاجع
وغيرك يعمى عن معان مضيئة كما تقبض اللحظ البروق اللوامع
وما كل ممدوح يــــــــلذ بمدحه الا بعض اطواق الرقاب جوامـــع
وله مفتخراً بقصائده : (99)
وعندي قواف ان تلقين بالاذى نزعن بمر القول نزع المواتح
تُعَدِّدُ نبرات الاســـــــودِ نباهةً وتنسى انابيحَ الكلابِ النوابحِ]

http://m3rouf.mountada.net

الرجوع الى أعلى الصفحة  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى