m3rouf alkhoder
أهلاً بكم في المنتدى الخاص بمعروف الخضر يمكنكم تصفح الموقع ولوضع المشاركات يرجى التسجيل

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

m3rouf alkhoder
أهلاً بكم في المنتدى الخاص بمعروف الخضر يمكنكم تصفح الموقع ولوضع المشاركات يرجى التسجيل
m3rouf alkhoder
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
m3rouf alkhoder

منتدى شعري ثقافي

designer : yaser marouf email:y.a.s.e.r.94@hotmail.com

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

الحزن في الغنا العراقي ..................عن مقالة د . حسين سرمك .....فهيم عيسى السليم

اذهب الى الأسفل  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

Admin


Admin

فهيم عيسى السليم : ملاحظات عن مقالة الدكتور حسين سرمك حسن الموسومة الحزن في الغناء العراقي: أنين يمتد من “سومر” إلى “الچبايش

Posted: 16 Oct 2013 08:09 AM PDT

faheem alsalimقرأت بتمعن وشغف مقالة الدكتور حسين سرمك حسن حول الحزن في الغناء العراقي وقد وجدت أن المقالة غنية وتستحق التأمل وتدوين الملاحظات والشروح وقد إلتقطت الأبواب التالية التي أود أن أدلو بدلوي المتواضع فيها
1. الملاحظات اللغوية سومرية \أكدية\أرامية\عربية\عراقية
2. الملاحظات الخاصة بالشعر الشعبي العراقي وإرتباطه بالغناء العراقي
3. إمتدادات الحزن العراقي في عمق التاريخ
وسأبدأ الجزء الأول الذي يخص الملاحظات اللغوية
1. بالسومريّة (نار ـ Nar) وبالأكدية (Naru) التي تعني المغني والغناء وتكتب بالأكدية nāru وتلفظ الهمزة بالعربية عينا و جذرها العربي الموازي هو نعر ينعر وفي لسان العرب تحت جذر (نعر) نجد
النُّعْرَةُ والنُّعَرَةُ: الخَيْشُوم، ومنها يَنْعِرُ النَّاعِرُ.
والنَّعْرَةُ صوتٌ في الخَيْشُوم؛ قال الراجز: إِني وربِّ الكَعْبَةِ المَسْتُورَه، والنَّعَراتِ من أَبي مَحْذُورَه يعني أَذانه.
ونَعَرَ الرجلُ يَنْعَرُ ويَنْعِرُ نَعِيراً ونُعاراً: صاحَ وصَوَّتَ بخيشومه، وهو من الصَّوْتِ. قال الأَزهري: أَما قول الليث في النَّعِيرِ إِنه صوت في الخيشوم
والنَّعِيرُ: الصِّياحُ
كما أنها إنتقلت الى الآرامية السريانية المندائية بالجذر نهر إذ تحولت الهمزة إلى هاء (نهر) التي تعني صوت بخيشومه التي عادت إلى العربية بشكل نخر منخر
ومن الواضح من الإستدلال عن (عائلة) نعر التي تبدأ بأول حرفين من الفعل في العربية سنجد أنها كلها أصوات فمنها :نعب
نعق
نعى : يقال: نَعَى الميتَ يَنْعاهُ نَعْياً ونَعِيّاً إِذا أَذاعَ موته وأَخبر به وإِذا نَدَبَه
تهمني جداً لأننا نسمي الشعر الذي يقال عن المتوفي (نواعي) والفعل تِنعّي وينعّي بتشديد العين.
2ahwar 10. بالسومرية (گالا ـ Gala) وبالأكدية (Kala)، وهو متخصّص في إنشاد الأغاني الدينية الحزينة.
• أن الجذرالأكدي هو كالو Kalu
• وفي الآرامية قولا قالا :قال قولاً صوّت تكلم (أنظر مفاهيم صابئية مندائية لناجية مراني ص 257)
• وفي العربية قال يقول والأصل قول قولاً
• وفي العامية العراقية تلفظ تماماً كما الجذر السومري ﮔال والعدّادة التي تعدد مناقب المتوفي يطلق عليها ﮔوّالة .
3. العلامة المسمارية الخاصة بكلمة أغنية، والتي تلفظ باللغة السومرية (شير ـ shir)، قد اقتبسها الأكديون، وعبّروا بواسطتها عن الفعل(ينوح) والذي يلفظ بالأكدّية (صراخو ـ Sarahu)،
ملاحظاتي عنها
• في الأكدية شرتو
• في المندائية الآرامية شَارا (بفتح الشين)(أنظر مفاهيم صابئية مندائية لناجية مراني ص 246)
• في العربية شعر
لا أؤيد ما ذهب إلية الباحث الدكتور فوزي رشيد عن إرتباطها بكلمة صراخو لأنهما جذران لا تشابه بينهما وبشكل مطلق
وفي الحقيقة أن الشعر في العربية هو
والشِّعْرُ منظوم القول، غلب عليه لشرفه بالوزن والقافية،(أنظر لسان العرب)
والعراقيون يطلقون الفعل (تِشْعَر) على العدادة اﻟﮔوالة أي تغني الشعر لتعداد مناقب المتوفي
4. اﻟﭽبايش : حيرتني كلمة ﭽبايش كونها كلمة غيرعربية ولأنها تقع في قلب سومر فلابد أن يكون لها أصل سومري-أكدي آرامي.
من البحث في الشبكة العنكبوتية وجدت بعض النظريات حول أصل الكلمة وهي كما يلي
• والجبايش جمع كلمة جبيشة التي هي جزيرة صناعية تسبح على صفحة ماء الهور تم التحضير لها بعناية وكونت من طبقات الطمي والقصب والبردي التي تتم تكديسها فوق بعضها حتى تصبح مثلها كمثل جزيرة عائمة يمكن أن تبنى عليها ديار القصب أو الصرايف. وقد وردت هذه الطريقة في العيش من خلال مدونات السومريين قبل سبعة الاف عام ومن الطريف أن للسومريين أسطورة بنشأة الأرض كانوا يظنون بان اليابسة نشأت مثلما يصنعون هم تلك الجبيشة.
• يمكن أن يكون للكلمة مصدر أرامي بما ميز ثقافة المنطقة وتسمياتها، لكن يذهب البعض الى ان كلمة جبيشة هي محرفة من كلمة (كبيسة) العربية بسبب فعل كبس طبقات الطين والقصب والبردي الذي يكتنف صنعها.
• مفردها جبش، وهو كوم القصب الذي تبنى فوقه بيوت القصب والبردي المعروفة بالصرايف
• والكبيسة مشتقة من (الكبس) وهو في الأصل الضغط والكبس عند العراقيين الزرع الذي يبذر في أرض دخلها ماء فيضان النهر أو ماء فيه غرين كثير فيرسب على وجهها راسب يصلح لزرع بعض النباتات التي تكتفي بهذا الماء من غير أن تحتاج إلى مياه الأمطار ومياه الأنهار، كالسمسم والذرة ( الادرة) والهرطمان وغيرها ويسمون هذا الزرع بالكباسي ويلفظ كافها كالجيم المثلثة الفارسية وكان العرب يسمون هذا الزرع باللحق وزان سبب، قال اللغويون أللحق واحد الإلحاق وهي مواضع من الوادي ينضب عنها الماء فيلقى فيها البذر. وأشهر هذه الكبائش ” برق الحمار” وقضاء الكبائش من الاقضية التي أنشئت في عشرينيات القرن الماضي (مقالة الدكتور عبد الله حميد العتابي )
1. تحليلاتي وملاحظاتي الشخصية
• يسمي الصابئة المندائيون منذ القدم حزم البردي والقصب التي يضعون الذبيحة عليها لذبحها وسلخها وهو الكبش عادة (لأنهن يحرمون أكل البقر والجاموس والحصان والماعز وكذلك الشاة أنثى الخروف) يطلقون عليها ﭽباشة وجمعها ﭽبايش وظاهرها مستل من كبش يكبش كباشة
فهل أن كلمة ﭽباشة آرامية أم أكدية؟
أم أن التسمية جاءت من الكبش (اﻟﭽبش)
بعد التحقق لم نجد أصلاً آرامياً للكلمة لكن وجدنا أن الكبش في الأكدية يسمى كبشو لكن الربط غير واضح مع التسمية المندائية وكيف تحول مكان الذبح إلى كباشة .
• عدت إلى أصل كلمة (كبيسة ) فوجدت أن لها أصلاً أكدياً أقدم من الأصل العربي بآلاف السنين وهو الجذر الأكدي كاباسو ويعني بشكل محدد كبس التمور لذا فإن فرضية أصل التسمية من كبس واردة جداً وربما هي الأسلم
كما ان المعنى عينه وارد في الآرامية المندائية
كبش:كبس،عصر، قهر،سحق ومن نفس الجذر الأكدي تماماً (أنظر مفاهيم صابئية مندائية ص229)
• هذا فيما يخص الجزء الأول وهو الملاحظات اللغوية وأعدكم بإتمام الجزئين التاليين في القريب العاجل.
سيدني
10 تشرين الأول 2013

النص
الحزن في الغناء العراقي: أنين يمتد من “سومر” إلى “الچبايش”

حسين سرمك حسن*
* طبيب نفسي وباحث
في بداية السبعينيات، أصدرت السلطات الإعلامية القائمة آنذاك، محكومةً، بالتأكيد، بالتوجه السياسي القائم آنذاك، تعليماً إلى إدارة الإذاعة والتلفزيون العراقي يقضي بعدم بث الأغاني العراقية الحزينة، والإتجاه نحو إشاعة روح التفاؤل في الأغنية العراقية
، لأن المجتمع بأكمله مقبل على تغييرات ستقوده نحو عوالم فردوسية سعيدة!!. وقد انطلق هذا الموقف من تصوّر قاصر عن ضرورة دوافع الحزن في بنية السيكولوجية البشرية متواشجةً، كتعبير عن غرائز الموت ـ thanatos، مع دوافع الفرح كتعبير عن غرائز الحياة ـ erose. المهم أن الأمر، أي ذاك التوجيه، بسبب عدم إدراكه لسيكولوجية المجتمع العراقي، والعوامل التاريخية الحاكمة في تكوين شخصية المواطن العراقي، لم يحقق الغاية المنتظرة منه أبداً، وبدأ شعراء الأغنية يكتبون نصوصاً مفتعلة وباردة، الأمر الذي دعا وزير الإعلام، آنذاك، لأن يقف في ندوة علنية، ويخاطب المختصين، من شعراء وملحنين ومطربين، ويقول لهم بأنهم يفتعلون كتابة وتلحين هذه الأغاني، ولا يحملون القناعة اللازمة، ولا الشحنة النفسية المطلوبة لهذا التوجّه الجديد (وكأن الإنسان الإشتراكي لا تهجره حبيبته، أو يموت عزيز عليه ـ مثلاً ـ فيحزن، يذكرني هذا أيضاً ببطل رواية “قصة إنسان حقيقي” السوفياتية، الذي قُدّ قلبه من فولاذ، فلا يحزن على أقسى النكبات التي تصيبه، بل حتى على ابنه!!).
وقد كانت الأصوات الرجالية خصوصاً، والغريب أن الأصوات النسائية في الغناء العراقي هي في الأربعينيات والخمسينيات أكثر من السبعينيات، وحتى من الألفينات!! التي ظهرت في السبعينيات كلها ذات طابع بنيوي وأدائي حزين صارخ، كحسين نعمة، وياس خضر، وسعدون جابر، وفاضل عواد، ورياض أحمد، وسعدي الحلي، وغيرهم. وقد كان العامل الأساسي في عدم قدرة الفنانين المعنيين على تجسيد الروح التفاؤلية التي كانت إرهاصاتها قائمة فعلاً آنذاك، بفعل تأميم النفط، والزيادة الهائلة في الدخل القومي، وبدء ارتفاع المستوى المعيشي للمواطنين، وخطط التنمية الانفجارية، والسماح الواسع بالسفر إلى الخارج، وغيرها من الإجراءات التي تدفع إلى الاسترخاء العام، يكمن في أن هنالك سمة حاكمة في الشخصية العراقية، وهي سمة الحزن التي تجعل المبدع العراقي لا يستطيع تقديم حتى الفرح، أو الإحساس به، إلا من خلال حاضنة نفسية كلية تتمثل في الحزن.
قد تبدو هذه الرؤية للقارىء معادلة غريبة، لكنها تعبير عن مركّب سادو مازوخي راسخ في شخصية إنسان أرض الرافدين. فحتى العراقي البسيط، وليس الباحثين فقط، كانوا يلاحظون أن العراقيين كانوا يرددون أشد الأغاني حزناً وخيبة وهم في غمرة فرحهم ورقصهم في الأعراس والحفلات العامة والأنشطة الاجتماعية المختلفة ذات الطابع المبهج والسعيد. إن الحزن والتشاؤم في سلوك الفرد العراقي هو القاعدة، أما الفرح والتفاؤل فهو استثناء. خذ مثلا القراءة القرآنية العراقية التي هي محكومة، مثل أي قراءة قرآنية عربية أخرى بأداء مقامي محدّد، فستجدها مميزة بالحزن العميق الذي يطغى عليه طابع “الترهيب”، في حين أن الطابع الأساسي للقراءة القرآنية المصرية مثلاً هو “الترغيب” الذي يأخذ إيقاع “التطريب” المصحوب بصيحات الاستحسان والتكبير الصاخبة أحياناً، الأمر الذي جعل الراحلة كوكب الشرق “أم كلثوم” تفتتح حفلتها الشهيرة في باريس بآيٍ من القرآن الكريم أدتها بطريقة المقرىء الشيخ “عبد الباسط محمد عبد الصمد”!!. وقد علق الناقد الموسيقي العراقي “عادل الهاشمي” على ذلك ذات مرّة، بما معناه: إنك تتذكر الموت عندما تسمع صوت مقرىء القرآن العراقي، في حين تتذكر الحياة عندما تسمع مقرىء القرآن المصري!!
إن الخلل المركزي الذي جعل السلطات الإعلامية القائمة آنذاك تعد سمة الحزن في الغناء العراقي “سبّةً”، ومظهراً سلبياً معوّقاً، وليس قوة دافعة خلاقة، كما هي فعلاً، دفعت العراقي، مع عوامل أخرى معروفة، لتحقيق أعظم الإنجازات، ناجم في جانب أساسي منه عن عدم إدراك الجذور التاريخية العميقة (السومرية خصوصاً) للعوامل التي شكلت سيكولوجية الشخصية العراقية، ليس من قبل السلطات المرجعية السياسية والاجتماعية وحسب، ولكن، وهنا خلل علمي عميق، من قبل باحثين بارزين قاموا بدراسة الشخصية العراقية. نذكر منهم الراحل الدكتور “علي الوردي”، الذي يقول متهكماً: (يُحكى أنّ أحد الطلاب العراقيين الذين يدرسون في الولايات المتحدة، ذهب ذات يوم لزيارة صديق له من العراقيين هناك، فلم يجده في الدار التي كان نازلاً فيها، فجلس إلى صاحبة الدار يتحدث معها عنه، فقالت السيّدة تصف نزيل دارها بأنه شاب طيب، ولكنه لا يكاد يدخل الحمام حتى يشرع بالبكاء، وقد اتضح أخيراً أنّ هذا الشاب العراقي لم يكن يبكي في الحمام كما ظنت السيّدة الأميركية، بل كان يغني (أبوذية) عراقية..)(1).
والأبوذية (من”أبو الأذى” في بعض التفسيرات) العراقية الموجعة التي يسخر منها الوردي، تحيلنا إلى السبب الذي جعلني أضع في العنوان مفردة “الچبايش”، فهي منطقة عراقية تابعة لمحافظة ذي قار/ الناصرية، عائمة وسط الأهوار، ومنعزلة عن العالم الخارجي تماماً بداية السبعينيات، وسكانها أميّون لا صلة لهم بالمدنية ومظاهرها، من تعليم ومذياع وتلفاز، وغيرها. لكن هذه المنطقة الصغيرة وريثة لمنجزات سومرية في الغناء العراقي، أهمها الأبوذية والهوسات (الأهازيج الرباعية أيضاً)، والغناء الريفي الحزين. أولاً، أغلب سكان هذه المنطقة من نساء ورجال وشباب يتداولون الشعر ويقرضونه بصورة عجيبة ومدهشة على التركيب الرباعي السومري، وهذا ما دفع الباحث الآثاري المعروف الدكتور “فوزي رشيد” إلى وضع فرضية، بعد أن زار منطقة الچبايش، يتساءل فيها عن كون الشعر الشعبي (العامي) العراقي في الجنوب مسألة وراثية؟ يقول فوزي رشيد: “ومن الأدلة على أنّ موهبة الشعراء الشعبيين تعود بجذورها إلى الفترات السومريّة والبابلية، هو النظم الشعري الذي يُعرف بالأبوذية، أو العتابة، حيث أنّ النصوص المسمارية قد بيّنت لنا على أن بداية هذا النوع من النظم الشعرية قد ظهرت أيضاً منذ الألف الثالث قبل الميلاد، وربمّا قبل هذا التاريخ بقليل”(2).
إن عدم إدراك هذا الجذر الحاسم في تشكيل الشخصية العراقية، وكون المظاهر السلوكية الراهنة امتدادات، أو تمظهرات، لسلوكيات غائرة في القدم، والذي يبدو تأثيره، معلناً أو مستتراً، مباشراً أو غير مباشر، مستقيماً أو مراوغاً، جعل بعض الباحثين يعتقدون أن شخصية المواطن العراقي تُفهم بصورة واضحة من خلال العوامل التي جاء بها المد الإسلامي من الجزيرة. في حين أن هذا الجذر السومري هو الذي طوّع الفكر الإسلامي على أرض الرافدين، وهو الذي شقّه، عبر الامتدادات الوثنية اللاشعورية الماكرة، إلى فرق ومذاهب استثمرت مضاعفات السقيفة الشهيرة.
أضرب مثلاً بالكيفية التي يغيِّب فيها هذا الموقف الدقةَ التحليلية في مسألة بسيطة في الغناء العراقي، وهي التكرارية المنتظمة في الغناء الريفي، وخذ أغنية معروفة هي (عيني وماي عيني يا “عنيّد” يا يابه)، التي غنّاها وكتبها ولحّنها أصلاً المطرب الريفي “حضيري أبو عزيز”، الذي لا يعرف القراءة ولا الكتابة، وأصله من مدينة الناصرية جنوب العراق (مدينة جلجامش). ما هو الجذر المفترض لبناء هذه الأغنية شعراً وإيقاعاً؟
في مقالته “الغناء العراقي القديم”، أيضاً، يبيّن فوزي رشيد أنّ هنالك أربعة أساليب من النظم الشعري في الأغاني السومريّة: “النوع الأول في كتابة نصوص الأغاني يتمثل في تكرار عجز البيت الأول في جميع أبيات القصيدة، ومعنى ذلك أنّ الاختلاف بين بيت وآخر يحدث في صدر البيت الشعري، وليس في عجزه، وذلك على الشكل التالي:
سيّدة السماء العظيمة
أريد تحيتها
المقدّسة الآتية من السماء
أريد تحيتها
سيّدة السماء العظيمة إنانا
أريد تحيتها
النور الساطع الذي يملأ السماء
أريد تحيتها
وقد ذكرت بأنّ ألحان المنطقة الجنوبية من العراق تحمل في طيّاتها طبيعة الألحان السومرية، لأنّ المنطقة المذكورة تمثل الموطن الأصلي للسومريين، ولهذا السبب يبدو لي أننا نستطيع أن نتلمس أسلوب النظم الشعري أعلاه في بعض الأغاني التي تُغنَّى في الوقت الحاضر. وإنني، وإن لم أكن من المتخصصين في الغناء، أو من يحفظ الكثير منه، لكنني أجد بأنّ هذا الأسلوب السومري في النظم مثل الأغنية التالية:
عيني أو ميْ عيني
يا عنيّد يا يابه
تسوه هلي وكلّ الگرابه
يا عنيد يا يابه
علماً بأنّ هذا التشبيه لا يعني بان النظم السومري المذكور كان يُغنى باللحن نفسه الذي تغنى به أغنية “عنيّد”…”(3).
وبالمناسبة، فإن بعض قبائل هذه المنطقة؛ الچبايش، ما زالوا يقسمون بـ”القمر”، كما يذكر ذلك الباحث (ثيسيفر) في كتابه “المعدان أو سكان الأهوار” الصادر عام 1956(4). كما أن بعضهم يقسم بأسماء نساء من سلالة آل البيت كما يقولون، وهو أمر غير موجود في وسط العراق وشماله اللذين سادت فيهما الحضارة الآشورية الذكورية. وهذه على الأغلب من بقايا الحضارة السومرية ذات الطابع الأمومي في أغلب مكوناتها.
المهم أن الطابع الحزين ظل حتى الآن هو المتسيّد على حركة الغناء العراقي، في حين تأتي الأغاني المبهجة استثنائية، أو باهتة، أو عابرة. ولعل الاحتكام إلى الحفر الأركيولوجي المعرفي هو الضمانة لحسن التأويل الذي يقود إلى دقة التعامل مع هذه الظاهرة من قبل السلطات المرجعية. فكلما وضعنا الظاهرة ضمن إطار صورتها الكلية (الجشطلت ـ gestalt) كلما أحطنا بملامح الصورة الجزئية الواضحة، وأمسكنا بالجذور الدفينة والكامنة لسيقان وأغصان الظاهرة البارزة أمام أعيننا. وشيوع الطابع الحزين في الغناء العراقي الصاعد من الجنوب إلى بغداد، والمنتشر إلى الشمال لا يمكن فصله عن السمة الحزينة للشخصية العراقية ككل، والظروف التاريخية العنيفة، والتمزقات الاجتماعية العاصفة، وجور الطبيعة، وثمار الفردوس الدامية، كما أسميها، وكل منها يتطلب وقفة طويلة لا مجال لها هنا، التي أثرت في البنية النفسية للشعب العراقي. لكن كل هذه العوامل لن تكون كافية لتفسير ما هو ظاهر من سلوك، إن لم نحكم ربط الحلقات التاريخية والاجتماعية التطورية منذ أول تشكّل لهذا المجتمع، والمتمثل في عصورها، وحضاراتها القديمة، بدءاً من العصر السومري.
وهذا المنهج هو الكفيل، بشكل كبير، بتقديم تفسير أوسع وأكثر نضجاً لظاهرة الحزن في الغناء العراقي. تفسير يجعل باحثاً مبرزاً في مجال الشخصية العراقية، مثل الدكتور علي الوردي، لا يمر سريعاًَ على هذه الظاهرة بتعليق سريع، هو أقرب للضجر منه إلى الإدراك التحليلي العميق، يقول فيه: “حين ندرس الأغاني العراقية، لا سيما المقامات البغدادية منها، نرى طابع الحزن والعويل غالباً عليها، فهي أغانٍ (جنائزية) على الأكثر، وهي مملوءة بالشكوى من الدنيا، وسوء الحظ والشعور بالخيبة والألم.. عندما أسمع إلى صوت (مقام) بغدادي وهو صادر من بعيد في ليلة هادئة، أكاد أحسّ بأنه قد لُحّن إثر طاعون جارف قضى على أكثر الناس، فهو صوت إنسان مات جميع أهله، وبقي وحده يئن من الوحشة وفناء الدنيا..”(5).
في حين أن النظرة الكلية القائمة على الحفر الأركيولوجي المعرفي يقدم لنا تفسيراً أكثر دقة وقبولاًَ، فـإذا حاولنا العودة إلى الجذور لاستكشاف المنابت البعيدة للحزن في الغناء العراقي، سنجد ذلك أولاً في الكتابة الصوريّة السومريّة، والتي تقوم على “علاقة متينة بين الصورة المرئية، والغرض المعنوي المراد تدوينه بواسطتها.. وهذه الحقيقة التي تحتويها طبيعة الكتابة المسمارية مكنتنا من معرفة تحليل العلاقة القائمة بين كلمة (مغنٍّ)، وبين نوعية (الصورة المرئية) التي دونت بها كلمة مغنٍّ.. حيث تبيّن أن العلامة المسماريّة التي تُلفظ (نار ـ Nar)، وتعني مغنٍّ، تمثل في الأصل صورة لرأس (إبن آوى). وعند التساؤل عن نوعية العلاقة الموجودة بين كلمة مغنٍّ، وصورة رأس إبن آوى، سيبدو لنا واضحاً بأنّها علاقة صوتية، ولا يمكن أن تكون بدنية. وعلى هذا الأساس، لابدّ، وأن تراتيل الأغاني السومرية القديمة كانت مشابهة في أدائها لصوت إبن آوى، مما دعا ذلك الكاتب السومري أن يختار صورة الحيوان المذكور ليدوّن بواسطتها كلمة مغنٍّ. ونعلم جميعاً بأنّ صوت إبن آوى من الأصوات الحزينة الشبيهة بالعويل والمثيرة للخوف. وهذه الحقيقة في حدّ ذاتها إشارة صريحة إلى أنّ الألحان السومرية القديمة حزينة ومقاربة للنواح والعويل”(6).
كما كشفت “النصوص السومرية عن وجود نوعين من المغنين: الأول يُدعى بالسومريّة (نار ـ Nar) وبالأكدية (Naru)، وهو متخصّص في إنشاد الأغاني الدنيوية، والثاني يدعى بالسومرية (گالا ـ Gala) وبالأكدية (Kala)، وهو متخصّص في إنشاد الأغاني الدينية الحزينة. ولما كان لحن المغني المتخصّص بالأغاني الدنيوية يوصف بصوت إبن آوى، فلا بد وأن يكون لحن المغني من نوع (گالا ـ Gala) قريب الشبه بالنواح مادام اختصاصه إنشاد الأغاني الدينية الحزينة..”(7). وفي إشارة مهمة لتوضيح جانب من جذور الحزن والنواح بين النساء العراقيات في العزاءات، يقول فوزي رشيد: (وزيادة على ذلك، فإنّ النصوص المسماريّة قد عرفتنا إلى نوع آخر من الألحان الحزينة الذي اختصت النساء في أدائه، حيث كان يُستخدم بشكل خاص في المآتم، وفي إحياء ذكرى الأموات. والألحان التي كانت تُستخدم في مثل هذه المناسبات لا تختلف بشيء عن الألحان التي تستخدمها “العدّادات” في أيامنا الحالية في المآتم والمناسبات المحزنة. والدليل على هذا الاستنتاج هو أنّ المرأة التي كانت تؤدّي هذا النوع من الألحان تُدعى باللغة السومرية (Ama-Ir-ra)، وبالأكدية (Ummu bikitti)، وتعني حرفياً “أمّ البكاء”، أي بمعنى المرأة الخبيرة في استنزال دموع الآخرين. وقد أشار الباحثون في مجال الدراسات المسماريّة إلى وجود لهجات عدَّة ضمن اللغة السومريّة، منها لهجة الـ (Eme-Sal)، والتي تعني حرفياً (لغة النساء)، وهذه اللهجة ذاتها قد استخدمت في أغلب النتاجات الأدبية السومرية. وكون مغني الـ (گالا ـ Gala) لا يغني أيّ نصّ كان، ما عدا النصوص المكتوبة بلغة النساء، فإنّ ذلك يدفعنا إلى التخمين بأنّ المناحات وأغاني الرثاء كانت قبل ظهور مغني الـ (گالا) من اختصاص النساء فقط، وعندما شارك الرجال النساء في هذه المهنة، حافظوا على الطابع القديم نفسه، الذي كان يؤلَّف باللهجة المدعوة بلغة النساء..”(Cool.
ويشير “رشيد” أيضاً إلى وجود (إشارات أخرى ضمن اللغة السومرية تؤكد وتوضح أن الألحان السومرية القديمة كانت ألحاناً تحمل في طيّاتها طابع الحزن والنوح. ومن هذه الإشارات هو أنّ العلامة المسمارية الخاصة بكلمة أغنية، والتي تلفظ باللغة السومرية (شير ـ shir)، قد اقتبسها الأكديون، وعبّروا بواسطتها عن الفعل(ينوح)، والذي يلفظ بالأكدّية (صراخو ـ Sarahu)، وكذلك عن الفعل يغني، والذي يلفظ بالأكدية (زمارو ـ Zamaru). وإن دلّت هذه الحقيقة على شيء، فإنما تدل على الشبه الكبير الذي كان موجوداً في العصر السومري القديم بين الغناء والنواح، وإلاّ فلماذا دوّن الأكديون كلا الفعلين بالعلامة السومرية الخاصة بكلمة أغنية..)(9).
وإذا عدنا إلى مغني الـ(گالا)، فسنجد (أنّ هذا النوع من المغنين متخصص في أغاني الرثاء، وأول ظهور لهم، ذكوراً كانوا أم نساءً، كان في حدود (2600 ق.م).. وهم أيضاً من صنف الكهنة المرتبطين بالمعبد، رغم تمتعهم أحياناً بحرية ممارسة حياتهم الخاصة في مجال البيع والشراء والتملّك، وكلمة (گالا) تعبّر كذلك عن المغني والمغنية، لأن اللغة السومرية لا تفرق بين الذكر والأنثى، والنصوص ذات العلاقة بالموضوع قد بيّنت لنا بشكل لا يقبل الشك على أنّ المغنين كان بعضهم متخصصاً في العصر السومري القديم بقراءة الأغاني الجنائزية فقط، والتي كانت تعتمد بشكل رئيسي على ترديد النصّ بأسلوب شبه غنائي، أكثر من اعتمادها على الآلة الموسيقية المرافقة لمغني الگالا. وقد اتسعت خلال العصر السومري الحديث (حوالي 2150 ـ 2000 ق.م) مجالات تخصّص مغني الـ(گالا)، حيث بدأ في العصر المذكور بغناء قصائد الرثاء التي كانت تؤلّف لرثاء المدن والمعابد التي ينالها الدمار بواسطة الأعداء، أو الكوارث الطبيعية، وكذلك ترديد الأغاني الحزينة التي تدفع سامعها إلى البكاء، فيُهدِّئ بذلك قلبه الحزين..”(10).
وإذا تنبهنا الآن إلى التطويع والتحوير الذي حصل من خلال التلاقح الخلاّق بين الثقافة العراقية القديمة، بمراحلها المختلفة، والثقافة الإسلاميّة، والذي امتد لمئات السنين، ألا يمكن أن نفترض، وعلى أساس مرتكزات سليمة، أنّ مهنة (الرادود) في العزاء الحسيني، بل قارئ مقتل الشهيد (ع)، وحتى طقس (النوح) الحزين والنعي الذي يستثير البكاء بين المستمعين في نهاية المحاضرة الدينية لرجال الدين الشيعة، هي ذات صلة وامتداد بمهنة مغني (الگالا) السومري القديم، لا سيما وأننا قد وجدنا ممارسة سنوية عراقية قديمة تشابه ممارسة (التشابيه)، وهي اللفظة العاميّة التي تصف طقوس إعادة تمثيل مقتل الإمام الحسين بن علي في المحافظات الجنوبيّة، وتتمثل هذه الممارسة في تمثيل وقائع أسطورة الخليقة البابلية سنوياً(؟).
وذات مرّة، إتصل بي الصديق الشاعر الغنائي (كاظم إسماعيل الگاطع)، وهو من الشعراء العراقيين الذين وقفوا شعرهم على موضوعة الموت، وقال لي إنه كتب أغنية عنوانها “أحبابي”، لمطرب شاب آنذاك هو “محمد السامر”، ولحّنها المبدع “طالب القره غولي”، هي من أكثر الأغاني العراقية تفاؤلاً، ودعوة للثقة والإيمان بالذات ونبذ التشاؤم. استمعت للأغنية. وكانت كما قال الشاعر، ولكنه قدّم لها ببيت (أبوذّية) رباعي هو قطعة من الحزن والأنين والشكوى الساخنة:
أحبابي تطشّرت حاير بِلَمّها (كيف ألمها وأجمعها؟)
روحي بقت بفراقك بَلَمْها (بألمها)
الناس على الأرض يمشي بَلمْها (قاربها)
وأنا بالماي بَلْمي وشَلْ بِيّا (ارتكس قاربي بي وهو في الماء)
هكذا ينتعش الفرح في أحضان الحزن..
وهكذا يتواصل أنين نوق قافلة العذاب العراقية، وعبر آلاف السنين، من سومر… إلى الچبايش!!

هوامش:
(1) و(5) ـ دراسة في طبيعة المجتمع العراقي، د. علي الوردي ـ مطبعة العاني ـ بغداد 1965.
(2) ـ هل الشعر الشعبي وراثة ـ د. فوزي رشيد ـ مجلة التراث الشعبي 1982.
(3) (6) (7) (Cool (9) (10) ـ الغناء العراقي القديم ـ د. فوزي رشيد ـ مجلة (آفاق عربية) 1994.
(4) ـ المعدان أو سكان الأهوار ـ ولفرد ثيسيكر ـ ترجمة باقر الدجيلي ـ مطبعة الرابطة ـ بغداد

http://m3rouf.mountada.net

الرجوع الى أعلى الصفحة  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى